أحد الشعانين

You are currently viewing أحد الشعانين

الخوري نسيم قسطون:

في زحمة الأيام وضجيج الحياة، تتحوّل المناسبات الدينية أحيانًا إلى طقوس فارغة، تُمارس ببراعة الظاهر بينما يغيب الجوهر. فما قيمة الهتافات إن خبا صدقها في القلوب؟ وما فائدة المسيرات إن كانت خطواتنا تعود أدراجها بعد انتهاء الزفة؟

 

في هذا الأحد، نتأمّل في دخول المسيح إلى أورشليم (يوحنا 12: 12-22)، الفرق شاسع بين من يحملون سعف النخيل وبين من يحملون المسيح في داخلهم. فالأولون قد يرفعونه اليوم ويتركونه غدًا، بينما الآخرون يجعلون من كل يوم شعانينًا حقيقيًا، حيث يسيرون معه في دروب الحياة لا في شوارع الاحتفالات فحسب. فالمسيح لم يأتِ ليكون ضيفًا عابرًا في أعيادنا، بل ليكون ربًا دائمًا على قلوبنا وأفعالنا.

 

كثيرون يبحثون عن المسيح الذي يمنح البركات، لكن قلائل من يبحثون عن المسيح الذي يطلب منهم حمل الصليب. نريده معجزةً تُذهلنا، لكننا ننزعج حين يطلب منا أن نكون نحن المعجزة في حياة الآخرين. نُحب أن نراه ملكًا منتصرًا، لكننا نتهرب من أن نكون جنودًا في مملكة المحبة والتضحية. هل ندرك أن الإيمان ليس مجرد إعجاب بشخصية تاريخية، بل التزامٌ بمسارٍ يتطلب الجرأة والمثابرة؟

 

اليوم، كما في الماضي، يُحاكم المسيح ليس أمام سلطة دينية أو سياسية، بل أمام خياراتنا اليومية. فنحن إما شهودٌ له أو خصومٌ، إما تلاميذٌ أو مشاهدون عابرون. حين نرفض العدل، نكون قد صرخنا: “اصلبه!” وحين نختار الأنانية، نكون قد بعناه بقطع فضة. لا يحتاج المسيح إلى هتافاتنا إن لم تكن نابعة من قرارٍ ثابتٍ باتباعه.

 

الأطفال في عيد الشعانين يذكروننا بالبساطة التي فقدناها. هم لا يحملون حساباتٍ معقدة، ولا يهتفون لسببٍ خفي. إيمانهم تلقائي، وفرحهم حقيقي. أما نحن، فغالبًا ما نحوّل الإيمان إلى معاملةٍ تجارية: نقدم الطاعة مقابل المكافأة، ونرفع السعف مقابل البركة. لكن المسيح لا يريد متاجرين، بل يريد أبناءً يعرفونه ويحبونه بلا شرط.

 

في هذا الأسبوع المقدس، لنكتشف من جديد أن الصليب ليس حدثًا ماضيًا، بل واقعًا نعيشه كل يوم. فكل موقف نخذل فيه الحق، كل مرة نختار فيها السكوت عن الظلم، كل لحظة نفضل فيها الراحة على الواجب، نكون قد وقفنا في صف الذين صرخوا: “ليس لنا ملك إلا قيصر!” لكن القيامة تمنحنا دائمًا فرصةً جديدة لنعود إلى الاتباع الحقيقي.

 

ليكن هذا العيد مناسبةً لنسأل أنفسنا: أين موقع المسيح في حياتي؟ هل هو ضيفٌ في المناسبات، أم ربٌ على كل تفاصيل وجودي؟ فالإيمان ليس عاطفةً عابرة، بل قرارٌ يتجدد كل صباح. لنحمل السعف اليوم، لكن لنحمل أيضًا إرادة السير معه حتى عندما تهدأ الأغاني وتختفي الزينة. لأن المسيح لا يريد هتافاتٍ مؤقتة، بل يريد قلوبًا دائمةً في الولاء والمحبة.

بداية أسبوع آلام مبارك!

اترك تعليقاً