الخوري نسيم قسطون:
إنّه يوم القيامة!
اليوم، نحن أمام دعوةٍ لا تُحتمل التأجيل: أن نختبر القيامة ليس كحدثٍ تاريخيٍّ فحسب، بل كواقعٍ حيٍّ يمسّ صميم وجودنا. فالإيمان بقيامة المسيح لا يكتمل بمجرّد ترديد العبارات الطقسيّة، بل يتحقّق حين تصبح هذه القيامة حاضرةً في كلّ خليّة من كياننا، في أفكارنا، في كلماتنا، وفي أعمالنا.
القيامة ليست مجرّد خبرٍ سارٍّ نتناقله في الأعياد، بل هي تحوّلٌ جذريٌّ في الطريقة التي نعيش بها. إنّها الخروج من القبور التي نحفرها لأنفسنا بأيدينا: قبور الأنانيّة، قبور الحقد، قبور الخوف من الغد، وقبور اللامبالاة تجاه الآخر. المسيح قام ليحرّرنا من هذه الأكفان، لكنّ الحرية لا تُمنح، بل تُؤخذ بقرارٍ شجاع. فهل نحن مستعدّون لترك القبر؟ أم أنّنا نفضّل البقاء في الظلام، حيث لا مسؤوليّة، ولا تحدّيات، ولا التزام؟
القيامة تطرح علينا سؤالًا وجوديًّا: هل نحن أحياء حقًّا؟ فالكثيرون يمشون على الأرض، لكنّهم في الحقيقة أمواتٌ داخليًّا. حياتهم سلسلةٌ من العادات الرتيبة، بلا شغف، بلا هدف، بلا حبّ. لكنّ المسيح يقدّم لنا الحياة بوفرة، شرط أن نجرؤ على الخروج من قبورنا. فالحياة الحقيقيّة تبدأ عندما نكتشف أنّنا خُلقنا لأمرٍ أعظم من أن نكون مجرّد ظلالٍ تتحرّك في هذا العالم.
العلامة الأكبر للقيامة هي القلب الفارغ. فارغٌ من الكراهية، فارغٌ من اليأس، فارغٌ من حاجتنا إلى التحكّم بكلّ شيء. فكما كان القبر فارغًا، يجب أن تكون قلوبنا فارغةً من كلّ ما يعيق حضور الله فيها. لكنّ هذا الفراغ ليس فراغًا سلبيًّا، بل هو استعدادٌ لامتلاءٍ جديد: امتلاءٌ من المحبّة، من الغفران، من الرجاء. فالقلب الفارغ هو القلب المستعدّ لأن يولد من جديد.
القيامة تدعونا إلى أن نكون شهودًا، لا مجرّد متفرّجين. فالشهادة ليست كلماتٍ نرفعها في القدّاس، بل هي حياةٌ نعيشها خارج جدران الكنيسة. هل نستطيع أن نقول إنّ المسيح قام حقًّا إذا كنّا لا نزال نحمل ضغائننا؟ إذا كنّا نرفض أن نغفر؟ إذا كنّا نتجاهل المحتاج؟ القيامة حدثٌ شخصيّ قبل أن يكون حدثًا جماعيًّا. إنّها التزامٌ يوميّ بأن نعيش كأناسٍ منتصرين على الموت، لا كأناسٍ منهزمين تحت ثقل الخطيئة.
اليوم، يدعونا المسيح إلى مغادرة القبر. ليس قبره هو، بل قبورنا نحن. قبور الخوف، قبور الشكّ، قبور العادات التي تقتل روحنا. فالقيامة ليست ذكرى، بل هي واقعٌ نعيشه الآن، إذا ما اخترنا أن نخرج من ظلامنا إلى نوره. المسيح قام، ليس فقط قبل ألفي عام، بل اليوم، هنا، في قلب كلّ من يؤمن به. فهل نسمح له بالقيام فينا؟
المسيح قام حقًّا قام! فلنقم نحن أيضًا معه.