أربعاء الآلام

You are currently viewing أربعاء الآلام

الخوري نسيم قسطون:

في قلب التاريخ البشري، وقف الإنسان ليحكم على الله بالموت. “خيرٌ لنا أن يموت رجلٌ واحدٌ فدى الشعب!” – كانت هذه الكلمات ذروةُ تناقضٍ مأساوي: فبينما ظنّ البشر أنهم يقتلون مصدر إزعاجهم، كانوا في الواقع يوقّعون على موتهم هم. لقد اختاروا الأرضَ على السماء، المصلحةَ على المحبة، “عصفوراً في اليد” على عشراتٍ على الشجر. لكنّ المفارقة الأعمق هي أنهم، بقتلهم ليسوع، لم يمسّوا ألوهيته، بل دمّروا إنسانيتهم القديمة القائمة على الأنانية والخوف.

 

كم هو سهلٌ أن نضحّي بالله عندما يصبح عائقاً أمام شهواتنا! نقتله بصمتٍ كل يوم: حين نستبدل لقاءه بمسلسل تلفزيوني، وحين نختار الكسل على الصلاة، وحين نبرّر خطايانا بـ”طول أناة الله”. نتعامل معه كأحد “أكسسوارات” الحياة: نخرجه في الأعياد ونضعه في المخزن في باقي الأيام. الأكثر إيلاماً أننا نستغلّ رحمته كذريعةٍ للاستمرار في أنانيتنا: “هو سيغفر في النهاية”، هكذا نخدع أنفسنا. لكنّ الصليب يصرخ فينا: “إلى متى تظلون مترددين بين طريقين؟”

 

قيافا، رئيس الكهنة، يمثل نموذج الإنسان العاقل حسابياً، الجاهل روحياً. لقد فهم المعادلة السياسية: “موت إنسانٍ أفضل من فوضى عامة”. لكنه فشل في رؤية المعادلة الإلهية: “موت الله هو حياة العالم”. كثيرون اليوم مثل قيافا: يعجبون بتعاليم المسيح الأخلاقية، يقدّرونه كمعلمٍ حكيم، لكنهم يرفضون أن يخترق هذا الحبّ أعماقهم فيغيّرهم. إنهم يعرفون عن الله، لكنهم لا يعرفون الله.

 

الصلب كان أعظم مؤامرةٍ في التاريخ، لكنها تحوّلت إلى أعظم خلاص. هنا تكمن قوة الإله الذي يحوّل شرورنا إلى خير، موتنا إلى قيامة. حين نقرأ “وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم”، ندرك أن آلامنا ليست نهاية القصة. الله لا يزيل الألم، لكنه يمنحه معنى. لا يلغي الصليب، لكنه يجعله باباً للمجد.

 

في أسبوع الآلام هذا، نحن مدعوون لاختيارٍ جذري: إما أن نكون شركاء في قتل الله عبر حياة اللامبالاة، أو شركاء في قيامته عبر محبةٍ تتحدى الموت. ليس المطلوب منا أن ننقذ العالم، بل أن نوقف خيانة قلوبنا. ليس المطلوب إصلاح الآخرين، بل أن نسمح للمسيح بأن يصلح أعماقنا.

 

القيامة تبدأ عندما ندرك أننا لا نستطيع أن نقتل الله، لكننا نستطيع أن نموت عنه. وعندما نختار أن نحيا له، نكتشف أننا كنا أمواتاً فأحيانا، ضائعين فوجدنا، عبيداً فصِرنا أبناء. عندها فقط نستطيع أن نصرخ من الأعماق: “الإنسان قام مع المسيح، حقاً قام!”

أسبوع آلام مبارك!

اترك تعليقاً