إثنين الآلام

الخوري نسيم قسطون

في بداية أسبوع الآلام، نتأمّل في نصّ متى (21: 17-27) الّذي يحدّثنا عن التينة الّتي بلا ثمر ونتأمّل على ضوئه بذواتنا…

كثيرٌ من التّين يكون وافر الظلال أو كثير الورق ولكن ما نفعه بلا ثمر؟

جاع يسوع وأتى إلى التينة، ولكنّ التينة كانت بلا ثمر!

قبل التوسّع في التأمّل بالتينة، لا بدّ من التوقّف أمام العبارة الجميلة التي وردت في نصّ اليوم وهي: “جاع يسوع”!

نعم، ألله يجوع وعلى الصليب سيعطش وقبل أن يحيي لعازار بكى…

يا له من إله – إنسانٍ كامل…

فهو بملء ألوهيّته حاضرٌ على الدوام بأزليّته…

وهو بملء إنسانيّته تجسّد “من أجلنا ومن أجل خلاصنا” وعشقنا وعشق كلّ ما فينا من حواسٍ وأحاسيس وعواطف وأفكار وأصبح مثلنا إنسانًا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة (عب4 / 15)، لأنّها ليست من أساس كياننا لأنّنا، جميعاً، رجالًا ونساءً، كباراً وأطفالاً، مخلوقون على صورة الله ومثاله كما يعلّمنا سفر التكوين…

نعود إلى التينة لنسأل ذواتنا: أنشبه هذا النّوع من التين؟

ألا نشبهه حين نكون:

  • من أصحاب المظاهر الخلّابة فيما قلوبنا مهترئةٌ وغير قادرةٍ على المحبّة؟!
  • من أصحاب المنازل الواسعة والمكاتب والسيّارات وربّما العقارات أو الشركات أو… ولكن بلا ثمار رّوحيّة على مستوى علاقتنا مع من هم حولنا أو معنا؟!
  • حين تكون جذورنا في الأرض يابسة لا تسري فيها “ماويّة” السماء لأنّنا لم نعد نرتوي من ينابيع السماء، بل اكتفينا بمياه الأرض التي، إن شربناها، عطشنا من جديد وتناسينا الماء الحيّ الّذي يروينا حياةً أبديّة ويفجّر فينا ينابيع الماء الحيّ كما وعد ربّنا السامريّة على بئر يعقوب (يوحنّا 4).
  • حين تكون قلوبنا وعقولنا صلبة فنأبى أن نمدّ ظلّنا على المرهق ونرفض أن يشبع الجائع من تيننا وخبزنا ونبخل على البردان حتى بغصوننا اليابسة…
  • حين يكون ما يوجد فينا نت ثمارٍ ناشف ومذاقه ليس حلواً لأنّه ممزوجٌ بمرورة حياتنا الماديّة ومصالحنا الضيّقة…

 

لذا نجد أنفسنا في كثيرٍ من الأحيان كهذه التينة فنصبح ملجأً “للزرقط والدبابير” الرّوحيّة” فنلسع الآخرين بالكبرياء او بالحقد أو بالضغينة أو حتّى بالإهمال أو اللامبالاة…

يشير الإنجيل بوضوح اليوم إلى مخاطر قلّة الإيمان التي تودّي بنا إلى الجفاف الرّوحيّ فلا نثمر…

يجوع إلينا يسوع دائماً لأنّه يحبّنا… يريد أن يأكلنا بحبّه كما نقول حين نحبّ أحداً في لغتنا العاميّة: “بيتّاكل”…

وهو أحبّنا لدرجة انطبق عليه المثل: “ومن الحب” ما قتل”… فوصل به الأمر إلى حدّ الموت على الصليب لأنّه، ببساطة، يحبّنا!

لنلقِ اليوم عنّا يباس غصوننا ولنرضَ بأن “يشحّلنا” من ظنّته مريم المجدليّة بستانيّاً قرب القبر… فنثمر من جديد ثمار الخير والجمال والمحبّة… ليعود الربّ ويجد فينا ما يؤكَل بشهيّة… تيناً صالحاً من تين سليمٍ، متجدّدٍ…

ليس المطلوب منّا اليوم أن ننقل جبلاً أو أن نيبس تينةً، بل الأجدى أن نسعى، بإيماننا، إلى مساعدة إنسانٍ للانتقال من حالة اليأس إلى الرجاء أو من حالة الجفاف الرّوحيّ إلى حالة الارتواء من الله من جديد!

فهل سنكون هذه اليد التي تساعد على الشفاء الرّوحي أقلّه؟

أسبوع آلام مبارك!

اترك تعليقاً