الأحد الأوّل من زمن الصليب

الخوري نسيم قسطون:

في إنجيل هذا الأحد الأوّل من زمن الصليب (مرقس 10: 35-45)، نتأمّل في مبدأ الخدمة وفق مفهوم الرّب يسوع.

في زمن مليء بالأنانية والتنافس على تمجيد الذات، نحن بحاجة إلى التواضع لنتجاوز هذه العقبات التي تسبّبها الفردية.

الخدمة الحقيقية تختلف تمامًا عن منطق القوة الذي يسود في مجتمعاتنا. ففي هذه المجتمعات، يرتبط النفوذ أو السلطة بالخدمة، حيث يساعد الأقوى الآخر بهدف استرداد نفوذه أو تعزيز سلطته وهو ما يعيشه العديد من المسيحيين مبتعدين عن التطبيق العملي للإنجيل إذ يرون حياتهم من خلال عدسة المكاسب والمنافع، متأثرين بما يحدث حولهم في العمل والطموحات الشخصية. مثل يعقوب ويوحنا اللذين طلبا من يسوع أن يجلسا بجانبه في مجده، يستغل البعض الخدمة لتحقيق غايات شخصية.

في المجتمع، يبرز الخطر عندما يصبح البحث عن النفوذ أو السلطة وسيلة لتحقيق أهداف شخصية بحتة. السعي وراء الطموح ليس أمرًا مرفوضًا، لكن عندما يكون هذا الطموح مبنيًا على حساب الآخرين أو على تجاوز المبادئ الأخلاقية، يتحول إلى جشع.

يدعونا إنجيل اليوم إلى استعادة القيم المسيحية الحقيقية التي تدعونا إلى أن نحيا على مثال الربّ يسوع إذ إن حمل اسم المسيح يعني أن نعيش خدمته، ونقتدي به في حياتنا اليومية.

هذه الخدمة هي طريقنا لتحقيق التشبّه بالمسيح الّذي اختصر مبدأ الخدمة بالقول يسوع: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُم عَظِيمًا، فلْيَكُنْ لَكُم خَادِمًا”.

 

وفق الربّ يسوع، الخدمة الحقيقيّة خالية من المصلحة الشخصية وهي تعبيرٌ عن المحبة المجانية الّتي لا تبحث عن مقابل وهي التي تجعلنا أكثر شبهًا بالمسيح، وتمنح إيماننا المصداقية.

يدعونا الإنجيل اليوم إلى إعادة التفكير في كيفية ممارسة إيماننا وإلى سؤال ذواتنا: هل نحن مستعدون حقًا لهذا النوع من الخدمة؟

قدّم الرب يسوع لنا نموذجًا للخدمة المجانية، حيث أتى ليخدم الآخرين دون مقابل.

علينا أن نعيد التركيز على رسالة الربّ يسوع الّذي طلب من تلاميذه أن يتخلوا عن رغباتهم الشخصية في السلطة ويحتضنوا مفهوم الخدمة الحقيقية والمجانية التي تمجّد الله وتخدم الآخرين.

لا بدّ هنا من التوقّف أمام سؤال الربّ يسوع: “ماذا تريدان أن أصنع لكما؟”.

هذا السؤال، الذي وُجّه إلى يعقوب ويوحنا، يُوجَّه اليوم إلى كل مؤمن. قد تكون إجابتنا عن المجد أو المال أو السلطة، ولكن هل ندرك فعلًا ما نطلب؟ أحيانًا نرفع صلوات وطلبات إلى الله دون أن نفكر بعمق في مدى توافق هذه الطلبات مع إرادة الرب الّذي يُبيّن لنا أن طريق الخدمة يتطلب التضحية والالتزام. فالخدمة ليست وسيلة لتحقيق المجد الشخصي، بل هي دعوة للتواضع والمحبة.

يدعونا الإنجيل اليوم إلى عيش روح الخدمة كوسيلة لتعظيم الله في حياتنا ويُحفّزنا على استعادة هويتنا المسيحية المتسربلة بالتواضع والمغفرة.

نحن بحاجة إلى مراجعة حياتنا اليومية، والتفكير في مدى انغماسنا في الأنانية والغرور كي نتوب بقلبٍ صادق. فالرب مستعدٌّ دومًا لاستقبال كل من يعود إليه بتواضع.

إن دعوة المسيح للخدمة ليست مجرد فكرة نظرية، بل هي دعوة عملية لنا جميعًا لنعيش حياة مليئة بالعطاء والمحبة.

في هذا الأحد الأوّل من زمن الصليب، نحن مدعوون إلى رفع قلوبنا إلى الله، وطلب نعمة الروح القدس لكي ننمو في الخدمة والمحبّة وأن نكون شهودًا فعليين لمحبة الله التي لا تعرف حدودًا عبر السير في طريق الخدمة، متشبّهين بالمسيح الذي جاء ليخدم وليس ليُخدَم. علينا أن نتجاوز الأنانية والطموحات الشخصية، وأن نركز على محبة الله ومحبته للآخرين كي نحيا هويتنا المسيحية بصدق فنصبح نورًا للآخرين في هذا العالم المليء بالتحديات!

اترك تعليقاً