الخوري نسيم قسطون:
في زمن العنصرة، نُحْتَفَلُ بعطايا الله اللامتناهية التي لا تنحصر في أشخاص أو مجموعات محددة، بل تمتد إلى كل البشر و تشمل كل من يفتح قلبه لله، فالرّوح القدس يهبّ حيث يشاء، وفق ما يعلمنا الكتاب المقدس، ويمنح مواهبه للجميع ليبصروا مجد الله المتجلّي في يسوع المسيح.
النصّ الّذي نتأمل فيه اليوم يدور حول إيمان المرأة الكنعانية (متى 15: 21-28).
المرأة الكنعانية، التي كانت تعتبر “غريبة” بالنسبة لليهود، حصلت على النعمة بفضل إيمانها العميق بالرب يسوع.
الكثيرون في ذلك الوقت تمنوا الحصول على تلك النعمة ولكنهم لم يستطيعوا بسبب نقص إيمانهم.
هنا، نرى أن الإيمان هو المقياس الحقيقي للقرب من الله إذ قد يكون البعض منا قريبين ظاهريًا من الله، ولكنهم بعيدون فعليًا بسبب ضعف إيمانهم.
الإيمان بالرب يسوع هو الّذي يمكنه تحويل آلامنا إلى نعمة وخلاص. حتى إن لم ننل الشفاء الجسدي، فإن سكنى الرب في قلوبنا تجعلنا في حالة أفضل. الإيمان هو عربون الأبديّة، وهو الذي يضمن لنا الحياة الأبدية بغض النظر عن الظروف الحالية. فماذا عنّا؟ أين نحن من قوة إيمان الكنعانية؟
تُعتبر هذه المرأة نموذجًا للإيمان الذي يتجاوز الحدود الثقافية والدينية. فرغم أنها لم تكن من بني إسرائيل، إلا أن إيمانها العميق جعلها تستحق إعجاب يسوع.
هذه المرأة تُعلِّمنا أن الإيمان الحقيقي ليس محصورًا في مجموعة معينة، بل هو مفتوح لكل من يبحث عن الله بصدق وإخلاص.
لقد اكتشف الرسل والكنيسة الأولى، بقوّة موت المسيح وقيامته وبنعمة الروح القدس، أنّ الفداء لا يقتصر على اليهود فقط بل يمتد إلى كلّ إنسان يفتح قلبه للخلاص فالربّ لم يحصر النعمة بأبناء شعبه، بل أعطى كل سائل بغض النظر عن خلفيته الثقافية أو الدينية.
المرأة الكنعانية وقائد المئة الروماني هما مثالان على هذا العطاء الشامل. هذا الانفتاح يدعونا إلى التفكير في كيفية عيشنا لمسيحيتنا وتحررنا من القيود الثقافية والمجتمعية التي قد تعيقنا عن نشر بشرى الخلاص.
حوار الربّ يسوع مع المرأة الكنعانية يمثّل درسًا في كيفيّة التعاطي مع الآخر المختلف. يسوع أصغى إلى المرأة وحاورها وناقشها، وفي النهاية أعجب بإيمانها. هذه الحادثة تطرح علينا أسئلة حول موقف الرب إذا حاورنا وناقشنا. هل سنجد نفس العطش والتوق لنيل نعمه؟ هل نحن مستعدون لفتح قلوبنا لنعم الله بغض النظر عن اختلافاتنا؟
هذا الحوار يعكس ضرورة الانفتاح على الآخر والتعامل معه بإيجابية واحترام، بغض النظر عن اختلافاتنا الثقافية أو الدينية فالإيمان الحقيقي يدعونا إلى قبول الآخر وحبه، تمامًا كما فعل يسوع مع المرأة الكنعانية.
نموذج المرأة الكنعانية يقدّم لنا دروسًا عميقة في الإيمان، التوبة، والانفتاح على نعم الله ويدعونا إلى التساؤل عن مدى قربنا من الرب يسوع وإيماننا بقدرته على تحويل آلامنا إلى نعمة وخلاص.
لنتعلّم من إيمان هذه المرأة ولنتبنى نفس الجرأة والتوق للقاء الرب، متحرّرين من القيود المجتمعية والثقافية التي تعيقنا عن نيل نعمه. لنكن مثل المرأة الكنعانية فنسعى بإيماننا العميق لنيل نعمة الرب ونتجاوز كل العقبات لنقترب أكثر من قلبه.
Share via: