الأحد الحادي عشر من زمن العنصرة

 بقلم الخوري نسيم قسطون –

ينفرد الإنجيليّ لوقا برواية توبة زكّـا (لوقا 19: 1-10) والتي نتأمّل بأحداثها في هذا الأحد الحادي
عشر من زمن العنصرة.
يذكر لنا النصّ بأنّ زكّـا كانَ رَئِيسًا لِلْعَشَّارِينَ وَغَنِيًّا أي كان من وجهاء القوم ومن طليعة المجتمع على
المستوى الماديّ رغم أنّ النظرة إلى العشّارين إجمالاً لم تكن جيّدة في العالم اليهوديّ إذ إقترنت صورتهم
لديه بالسرقة والإختلاس.
ولكنّه كان مكرّمًا من الّذين يهمّهم رضاه لمصالح خاصّة أو لأسبابٍ أخرى ممّا جعل زكّـا وأترابه من
العشّارين: متشاوفين ومتكّبرين ومقتدرين.
رغم ذلك، يورد النصّ ما يلي: وكَانَ يَسْعَى لِيَرَى مَنْ هُوَ يَسُوع، فَلَمْ يَقْدِرْ بِسَبَبِ الـجَمْعِ لأَنَّهُ كانَ
قَصِيرَ القَامَة. فَتَقَدَّمَ مُسْرِعًا وَتَسَلَّقَ جُمَّيْزَةً لِكَي يَرَاه، لأَنَّ يَسُوعَ كانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُرَّ بِهَا
رغبة زكّـا بلقاء يسوع جعلته يتجاوز كلّ المعوّقات من قصر القامة والكبرياء…
وهذا يدخلنا إلى التأمّل بالجميّزة التي تأخذ هنا دور الصليب الّذي محا كلّ ضعفنا وأحلّ مكانه قوّة
المسيح…
الجميّزة، في حياتنا اليوميّة، هي كلّ كاهن أو صديق أو ظرفٍ يقرّبنا أكثر إلى الربّ ويُعيننا لتخطّي
أنانيّتنا وماضينا وخطيئتنا…
الرّغبة بلقاء يسوع يرافقها إيمانٌ كبير يزرع في النفس الثقة والرّجاء بإمكانية اللقاء به والتي لا تتمّ دون
تواضع القلب والضّمير تشبّهًا بالمسيح الّذي تواضع وتنازل من عليائه من أجل خلاصنا.
فماذا ينقصنا لنتواضع كزكّـا في سبيل لقاء المسيح؟!
يتابع النصّ موردًا: وَلَمَّا وَصَلَ يَسُوعُ إِلَى الـمَكَان، رَفَعَ نَظَرَهُ إِلَيْهِ وقَالَ لَهُ: يَا زَكَّـا، أَسْرِعْ وإنْزِلْ،
فَعَلَيَّ أَنْ أُقِيمَ اليَومَ في بَيْتِكَ;.فَأَسْرَعَ وَنَزَلَ وإسْتَقْبَلَهُ في بَيْتِهِ مَسْرُورًا
يسوع ينظر إلينا دائمًا حيث نكون حين نرغب بصدقٍ في لقائه!
ولكنّ السؤال الأهم هنا هو: هل يسبّب اللقاء بيسوع السرور لنا؟
فكم من المرّات يعلو الوجوم وجهنا في الكنيسة وكأنّنا نقوم بفرضٍ ثقيل رغمًا عنّا! بينما المطلوب هو
أن نأتي إليه بسرعة كما يسارع الأحبّاء إلى لقاء بعضهم!
ولكنّ زكّـا لم يكتفِ باللقاء، بل يضيف النصّ: أَمَّا زَكَّا فَوَقَفَ وَقَالَ لِلرَّبّ: يَا رَبّ، هَا أَنَا أُعْطِي نِصْفَ
مُقْتَنَياتِي لِلْفُقَرَاء، وَإنْ كُنْتُ قَدْ ظَلَمْتُ أَحَدًا بِشَيء، فَإِنِّي أَرُدُّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَضْعَاف
أضاف زكّـا إلى رغبته وسروره بلقاء يسوع فعلاً مهمًّا جدًّا وهو التعويض بطريقة عمليّة عن أخطائه
السابقة وعن الظلم الّذي تعرّض به للناس…
لو عوّض كلّ منّا لكلّ مَن أساء إليه لكانت الدنيا بألف خير، فبدل الكلمة البشعة كلمات جميلة، وبدل
الإهانة إعتذار ورد إعتبار… وإلى الله، تعويض للإنسان وتوبة صادقة…
وهو ما يدعونا جميعًا إلى سؤال ذواتنا حول مدى صدقنا في محاولة التعويض عمّا أسأنا به إلى النّاس؟!
نأخذ اليوم من زكّا عبرًا كثيرة وأبرزها أنّ ما من عائق أمام مَن يبحث عن يسوع… وأنّ مَن يبحث عن
الله مدعوّ للإستفادة، كزكّا، من كلّ ما يساعده لسلوك درب الوصول إلى لقاء الربّ…

لم يضع الربّ شروطًا على زكّا – الخاطئ الّذي تاب – لأنّه عرف كيف يتوب…
وأنت؟ هل تعرف ما عليك أن تفعل لتكون أقرب إلى الله وخاصّةً من خلال الإنسان؟!
زكّا نموذج للخاطئ، ولكنّه أيضًا نموذج للتائب الحقيقي الّذي يضع بين يديّ الربّ كلّ إمكانيّاته ليصّحح
مساره وليعيد الإنطلاق في درب الربّ، نحو الملكوت، مستقويًا بالربّ على كلّ الصّعاب!

اترك تعليقاً