الخوري نسيم قسطون:
غالبًا ما يسبّب نصٌّ كهذا شكًّا وتشكيكًا في محبّة الربّ لعابديه بكونه يشير بصراحة إلى حجم الشّدائد التي سيسبّبها لهم إتّباعه.
ولكن، قلّة ترى فيه أمرين مهمّين جدًّا لتصحيح نظرتنا إلى الله!
الأمر الأوّل هو صدق الربّ، فهو يخاطب بنيه ويرشدهم إلى السبيل السويّ المستند إلى الثقة به وبحضوره الدائم معهم ووسطهم وفق ما أشار في الآيتين 19 و 20: “وحِيْنَ يُسْلِمُونَكُم، لا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَو بِمَاذَا تَتَكَلَّمُون، فَإِنَّكُم سَتُعْطَونَ في تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ. فَلَسْتُم أَنْتُمُ الـمُتَكَلِّمِيْن، بَلْ رُوحُ أَبِيْكُم هُوَ الـمُتَكَلِّمُ فِيْكُم”.
صِدق الربّ هذا مرتبطٌ بالواقعيّة فإتّباع الربّ ليس مبنيًّا على عمليّة تسويقٍ جوهرها الغشّ والوعد بأمورٍ لن تحدث أو بجنّةٍ على الأرض!
واقعيّة الربّ وصدقه دفعاه إلى توصيفٍ واضحٍ للأمور الّتي ستحدث لمن سيتبعه إذ سيعاني من ظلم الأقربين والأبعدين الّذين لن يتمكّنوا من فهم جوهر دعوته ورسالته وهو كان أوّل من عانى من هذا الظلم مع أهل بلدته النّاصرة ومن بعدهم مع رؤساء اليهود والرومان الّذين وصلوا به إلى الصلب والموت!
ولكن، غالبًا ما يغفل قرّاء هذا النصّ المعنى العميق للآيتين 24 و 25: “لَيْسَ تِلْميذٌ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، ولا عَبْدٌ مِنْ سَيِّدِهِ. حَسْبُ التِّلْمِيذِ أَنْ يَصِيْرَ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ”.
صحيح أنّ التشبيه هنا قائمٌ على جوهر ما عاناه وما كان سيعانيه يسوع ولكن، في العمق، تحمل هاتين الآيتين دعوةً كبيرة إلى الرّجاء وهو الأمر الثاني الّذي أشرنا إليه في مطلع شرحنا هذا.
فالمعلّم لم يصل إلى الموت فقط بل غلب الموت بقيامته وبالتالي فالربّ يدعونا إلى الرّجاء أي إلى تجاوز الألم العابر أو الإضطهاد المرحليّ إلى الإدراك بأن الألم أو المرض أو الموت الجسديّ ليست نهاية قصّة الإنسان بل هي مرحليّة ولو استمرّت سنوات أو عقود وهي، وإن أثّرت على الجسد، لا تستطيع أن تمسّ الرّوح إلّا إن غرق الإنسان في اليأس!
فرجاء القدّيسة رفقا في مواجهة الألم هو ما جعلها قدّيسة وليس ألمها! ورجاء الرّسولين بطرس وبولس هو ما قدّسهما وليس عذابهما…
لذا، يدعونا نصّ اليوم إلى فهم معنى الرّجاء وإبقاء حرارة الرّوح مشتعلة عبر التحديق بأيقونة يسوع المسيح الّذي يقودنا، وسط درب الجلجلة، إلى القيامة والإنتصار على ما قد يبعد ضعيفي الإيمان عن ميناء الوصول إلى الوجهة الأهم وهي الإنتصار الدّاخليّ على الألم والإضطهاد مهما بلغ حجم الألم فالألم زائل أمّا موضوع رجائنا وإيماننا، أي الربّ، فهو باقٍ.
كثيرون يحلمون بحياةٍ كاملةٍ دون ألم ولكنهم بهذا يفتقدون إلى الواقعيّة فمجرّد أن نعرف القليل عن علم الأحياء يجعلنا نعلم بأن خلايا جسدنا تموت ملايين المرّات كي يبقى جسدنا حيًّا وقليلٌ من المعرفة بالكيمياء تجعلنا ندرك أن تفاعل المواد هو ما يوجِد موادًا جديدة…
فسؤال “لماذا” قد يقودنا إلى الشكّ، ولكن بعد الشكّ ورغم الشكّ يدعونا النصّ إلى تغليب الإيمان والرّجاء فيقوداننا إلى الإنتصار. فماذا سنختار؟!
Share via: