الخوري نسيم قسطون:
في الأحد العاشر من زمن العنصرة، نتأمّل معًا في إنجيل متى 12: 22-32، الّذي يحمل هذا الإنجيل في طياته دعوات ملهمة تقودنا نحو حياة مسيحية أعمق وأشمل.
سنستعرض في هذا النص عدة نقاط، آملين أن نستلهم منها توجيهات لتطبيقها في حياتنا اليومية.
نتوقّف أوّلًا عند اتهام الفريسيين ليسوع بأنّه: “بعل زبول، رئيس الشياطين”!
لقد شهدَ الفريسيون كلّ ما صنعه يسوع من خير وشفاء لبني قومه، ومع ذلك اتهموه بأنه يعمل بقوة “بعل زبول، رئيس الشياطين”.
كان هذا الاتهام نابعا من خوفهم على دورهم ووجودهم، حيث كانوا غير منطقيين، ومحبين لأنفسهم فقط.
لقد عالج الربّ يسوع كان يعالج المشكلات بطرق عملية، يشفي المريض، يطعم الجائع، ويروي العطشان. أما الفريسيون فكانوا يبررون الأوجاع والآلام بدلاً من محاولة التخفيف منها. وهنا نتساءل: هل نحن أيضًا في بعض الأحيان فريّسيّون أيضًا؟ هل ننظّر دون أن نعمل؟
بالمقابل، نصغي إلى الربّ يسوع يقول: “مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ”
قد يبدو للوهلة الأولى أنّ الربّ يسوع يدعو إلى التعصب والتقوقع، ولكن الحقيقة بعيدة كل البعد عن ذلك.
من ليس مع يسوع هو من لا يحب ولا يغفر ومن يكذب ويرتدي أكثر من وجه. إنّ الربّ يدعونا إلى حياة مسيحية دائمة وثابتة لا إلى تلاوة كلمات طنّانة أو شعارات. و هنا نسأل ذواتنا: هل نحن نجمع مع يسوع أم نبدّد؟
يطرح إنجيل اليوم أيضًا طرحًا قاسيًا وهو: “مَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلى إبْنِ الإِنْسَانِ سَيُغْفَرُ لَهُ. أَمَّا مَنْ قَالَ عَلى الرُّوحِ القُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ”!
هل يمكن أن يكون يسوع، رمز الوداعة، مهدّدًا بالعقاب؟
كثيرون لا يدركون أن التجديف على الروح القدس هو خطيئة منتشرة بين الناس، وخاصة المؤمنين. من علامات هذه الخطيئة اليأس الذي قد يصل إلى فقدان الرجاء، أو تشوه الإيمان لدرجة تحميل الله المسؤولية عن كل الشرور. هنا يظهر دورنا في مشاركة الروح القدس لتنوير قلوب الناس من جديد، لإعادة اكتشاف الفرح والسلام.
التجديف على الروح القدس يعني طرده من حياتنا وقراراتنا.
إن من يرفض الروح القدس لن يعني له الغفران شيئًا، لأن الله لا يجبرنا على ما لا إرادة لنا به. إنه يمنحنا الحرية الكاملة، حتى حريّة رفضه.
ولكن، مع الأسف، تشبه علاقتنا بالروح القدس أحيانًا علاقة السجان بالسجين.
لقد أودع الله في داخلنا روحه القدوس لينيرنا، ولكننا نقفل عليه الأبواب بخياراتنا التي تضع حدًا لقوته باسم حريتنا الشخصية.
في ختام هذا التأمل، ندعو جميع المؤمنين إلى كسر قيود الروح القدس في حياتهم، لإطلاقه حرًا ليقودهم نحو حياة أكثر انسجامًا مع هويتهم المسيحية. دعونا نتعاضد ونعمل معًا لنحقق مجتمعًا مسيحيًا متكاملًا، بعيدًا عن الفردية والأنانية، معتمدين على مواهبنا التي منحنا إياها الروح القدس من أجل الخير العام فكلّ مسيحي معني بشؤون العالم لأن دوره كنور للعالم يقتضي منه أن يضيء حيث يمكنه وليس فقط حيث يريد.
Share via: