الاحد الثاني عشر من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون- 

حفظت لنا الأناجيل عدّة لقاءات ما بين يسوع وأناس من أجناس وطبقات متعدّدة.

في زمن العنصرة تحديدًا، نتأمّل في عطايا الله اللامتناهية والتي لا تنحصر في أشخاصٍ أو مجموعات بل تتخطّاها إلى كلّ الناس وهو ما ندعوه روحيًّا “أنوار الرّوح القدس”…

يهبّ الرّوح القدس حيث يشاء وفق ما يعلّمنا الكتاب المقدّس ويمنح مواهبه لكلّ النّاس كي يبصروا أكثر مجد الله الّذي تجلّى في يسوع المسيح…

لقاء يسوع بالمرأة الكنعانيّة (متى 15: 21-28) لقاءٌ مميّز لا سيّما في وروده في إنجيل متّى الموجّه إجمالًا إلى المسيحيّين من أصلٍ يهوديّ.

كانت علاقة اليهود بالكنعانيّين علاقة مميّزة في أيّام الملك سليمان ولكن إنعكاساتها كانت سلبيّة على المستوى الديني من خلال التأثّر ببعض العادات لديهم والطقوس حتّى وصولًا إلى عودة عبادة الأوثان ومنهم البعل في بعض المحطّات التي حفظها لنا الكتاب المقدّس.

في زماننا، ما زال كثيرون لا يفقهون أيضًا قيمة إيمانهم بعكس هذه المرأة الكنعانيّة التي لم يكن يفترض بها أن تعرف عن الربّ أكثر من اليهود أو الرّسل ومع هذا فقد أشاد الربّ بعظمة إيمانها لأنّها تخطّت كلّ القيود لتضع حياتها وهمومها بين يديه!

هذا الإطار مهمّ جدًّا لإستكشاف أهميّة الحدث الّذي نتأمّل به اليوم ولا سيّما من خلال النقاط التالية:

 

1- “إِرْحَمْني، يَا رَبّ، يَا ابْنَ دَاوُد!”

توجّهت المرأة الكنعانيّة إلى الربّ يسوع بلقبٍ يهوديّ بإمتياز، كان يعبّر عن إنتظار اليهود للمخلّص المسيح. 

وهنا يمكننا الإنطلاق من لاهوت إنجيل القدّيس متّى لنفهم بأنّ متّى أراد هنا أن يشدّد لمن يكتب إليهم بأن الخلاص لم يكن محصورًا فقط بهم بل كان ممتدًّا إلى كلّ من إقتبل يسوع المسيح كمخلّصٍ له… وهو ما عبّرت عنه الكنعانيّة بلقب يسوع المسيحانيّ.

وهنا نسأل ذواتنا: هل نؤمن حقّا بالمسيح كمخلّصٍ وحيدٍ لنا؟ أم نبحث يوميًّا عن مخلِّصين آخرين؟!

 

2- “لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلى الـخِرَافِ الضَّالَّةِ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيل”

للوهلة الأولى، تصدمنا قساوة جواب يسوع… ولكنّ قراءة أعمق للنصّ تبيّن لنا بأنّ يسوع أراد أن يختبر فهم رسله لشموليّة الخلاص لأنّهم توسّلوا إليه أن يصرفها لا أن يساعدها!

أمام قساوة قلوبهم أجاب يسوع هذا الجواب ليمهّد للحوار الّذي سيدور ما بينه وبين المرأة والّذي سيبيّن مدى إيمانها بالمقارنة مع رسل يسوع ومرافقيه!

وهنا نسأل ذواتنا: ألسنا أحيانًا قساة القلوب أمام أناس إيمانهم أكبر من إيماننا ورجاؤهم بيسوع أكبر بكثير من إيماننا؟!

ألا نرغب أحيانًا في كنيسة لا مكان فيها للخاطئ أو المحتاج… بل كنيسة حصريّة بنا؟

 

3- “أيَّتُهَا الـمَرْأَة، عَظِيْمٌ إِيْمَانُكِ! فَلْيَكُنْ لَكِ كَمَا تُريدِين”

إيمان المرأة الكنعانيّة كان أكبر درسٍ لرسل الربّ يسوع حول ضرورة الإنفتاح على الآخرين وتقبّلهم كأبناء لله أيضًا… 

ولكن لا يعني ذلك أن نصبح مثلهم في الإخطاء في الممارسات كالوثنيّة بل أن نتأثّر بتوبتهم وبإيمانهم، نحن الّذين تقودنا أحيانًا “خوشبوشيّتنا” مع الله إلى عدم الإنبهار بمحبّته لنا وبتضحياته من أجلنا.

 وهنا نسأل ذواتنا: أليس إيماننا ضعيفًا بالمقارنة مع هذه المرأة؟ ألم نفقد الدهشة الروحية والتأمليّة أمام الله وأعماله من إجلنا؟

 

نموذج لإمرأة غريبة عن إسرائيل فاقت بإيمانها أبناء الشعب الّذي كان ينتظر يسوع… وهي نموذجٌ يدعونا لنتواضع كلّنا ونعترف بأنّ إيماننا ليس على مستوى المهمّة الموكولة إلينا من ربّنا لنكون له شهودًا بالقول والفعل والعمل!

فإلى كلّ واحدٍ منّا يتوجّه السؤال اليوم: “هل لديك جرأة الكنعانيّة وهل أنت على إستعدادٍ لتلقي ذاتك بين يديّ الربّ يسوع؟!”



اترك تعليقاً