الخوري نسيم قسطون:
في اليوم الأربعين من زمن الفصح، نحتفل بصعود الربّ إلى السماء حين ترك لرسله ولتلاميذه أن يتابعوا المسيرة، مسيرة الخلاص، في الكنيسة وعبرها.
كثيرون لا يفقهون أهميّة هذا العيد!
صعود الربّ مهّد لمرحة انتقالية مهمّة جدّاً ما بين القيامة والعنصرة، عاش خلالها الرسل فترة فراغ ما بين حضور الربّ بالجسد وحلول الروح القدس عليهم…
هذه الفترة كانت مهمّة جدّاً لنمو النضوج الرّوحيّ في الكنيسة الناشئة فتتعايش مع “غياب الله الماديّ” وتعتاد حضوره الرّوحيّ في الصلاة وفي الأسرار وفي استذكار أعماله والّذي كان يحصل شفهياً في مرحلة أولى إلى أن تمّ ذلك كتابةً في الإنجيل لحفظ الأحداث كلّها…
درجت العادة في هذا العيد أن تتأمّل الكنيسة فيما قاله الربّ للرسل في لقائه الأخير معهم بالجسد (مرقس 16: 15-20) وفيه من وعود القوّة الرّوحيّة ما شجّعهم ويشجّعنا على المضي في حقول الرّسالة والشهادة للربّ مهما قست الظروف وصعبت وقد عدّد الربّ منها: عوائق الشرّ واللغة والأعداء والسمّ بكلّ معانيها الماديّة والرّوحيّة!
تتأمّل الكنيسة في هذا المقطع الختاميّ من إنجيل القدّيس مرقس الّذي يشكّل نوعًا ما وصيّة يسوع الأخيرة إلى رسله وهو فيما بينهم وهي وصيّة تتوجّه أيضًا إلينا!
يوصينا الربّ يسوع بشموليّة الرّسالة المسيحيّة فما من زمان لها وما من مكانٍ أو ظرفٍ يحدّها…
الحدود شيء مصطنع نرسمه نحن فيما بيننا تحت عناوين شتّى منها الحقوق والواجبات… فيما لا حدود للمحبّة الّتي تغلب الشرّ (بِٱسْمِي يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِين) وتؤمّن التواصل مع كلّ النّاس (ويَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ جَدِيدَة) وتتجاوز العوائق والأحكام المسبقة المجبولة بالخوف (ويُمْسِكُونَ الْحَيَّات) وتبقى قادرةً على العطاء رغم الحقد أو القلق أو أيّ سببٍ يقود إلى الفرقة (وَإِنْ شَرِبُوا سُمًّا مُمِيتًا فَلا يُؤْذِيهِم) وتزرع التضامن ما بين النّاس المحتاجين إلى المؤاساة النفسيّة أو إلى المؤازرة في أوان الأمراض (ويَضَعُونَ أَيْدِيَهُم عَلى المَرْضَى فَيَتَعَافَوْن).
وصيّة الربّ يسوع وصيّةٌ شاملة ومتكاملة، ترسم لكلِّ إنسان مسيحيّ خريطة طريق واضحةٍ إلى بناء ملكوت الله على الأرض…
ما من خوفٍ يعيقنا، وفق هذا النصّ، عن القيام بمهمّتنا في هذا العالم إن ذكرنا على الدوام كلام الربّ إلينا وتشجيعه لنا على اختراق جدران الشرّ كي نصل إلى العالم كلّه والخليقة كلّها!
يدعونا هذا العيد، نحن الّذين ننعم بمرافقة الروح القدس لنا في الكنيسة ومن خلالها، إلى تقدير حضور الله الدّائم في حياتنا في الأسرار والكتاب المقدّس ولا سيّما في سرّ جسده ودمه، القربان!
تعالوا اليوم لنرفع عيوننا إلى العلى فنستمدّ القوّة من الربّ لنحافظ على وديعة الإيمان التي أودعنا إيّاها الربّ بشخص الرّسل ونساهم في نشر رسالته في العالم!
قد يظنّ البعض أن الإيمان الشخصي يكفي ويغني عن هذه المهمّة الجَماعيّة التي تتضافر فيها جهود الكلّ في سبيل عالمٍ أفضل يسوده الحقّ ويزيّنه السلام! ولكن، الحقيقة هي أنّ الخلاص لن يكون يوماً فرديّاً ولكن، من جهةٍ أخرى، من يسعى إلى خلاص نفسه بالمعنى الرّوحيّ يساهم ولو دون ان يدري في بناء مجتمعٍ وعالمٍ أقرب إلى قلب الله!
في هذا العيد، نسأل الله أن يمنحنا الشّجاعة لمواجهة الرياح المخالفة بقوّة الإيمان وعمق الوفاء لما أراده الربّ منّا!
كلّ عيد وأنتم بخير!
Share via:
