دهاليز النفس البشرية…..

You are currently viewing دهاليز النفس البشرية…..
راوية المصري-
في أروقة النفس البشرية، تتوارى أسرار عميقة كخبايا الليل في صدر الصحراء. ما أعجب تلك المفارقة العظيمة حين تتحول الكلمة بين الشفاه إلى سيف بتار أو بلسم شافٍ! ومن عجائب الوجود أن القلوب الواسعة هي التي تحترق بنيران خوفها من إيذاء الآخرين، بينما القلوب الضيقة تبذر الأشواك في طريق الإنسانية دون أن ترف لها جفون.
ليس النصر أن تقهر خصمك، بل أن تنتصر على ذلك الوحش الرابض في دهاليز النفس، ذلك الذي يغريك بأن تكون انعكاساً للألم الذي أصابك. هي معركة صامتة، تُخاض في محراب الذات، بين صوت يهمس: “ردّ الإساءة بمثلها”، وآخر يصدح: “كن النور الذي ينير الطريق للتائهين في عتمة قسوتهم”. وكم من إنسان تسبب بالأذى لنفسه، محترقاً بنار خوفه من أن يؤذي الآخرين، فأصبح كالشمعة التي تضيء لغيرها وتذوب في صمت!
حينما تعصف الحياة بأرواحنا، وتلقي بنا في مهب الريح كأوراق الخريف، يصبح الاختبار الحقيقي: هل نصبح كالريح العاتية، أم نتحول إلى نسيم يحمل عبق الأمل للمتعبين؟
إن الكلمة قد تكون معطفاً دافئاً في ليلة شتاء قارسة، أو صقيعاً يجمد مجاري الروح. وبين هذا وذاك، يتجلى جوهر الإنسانية – تلك القدرة الخارقة على تحويل جروحنا إلى نوافذ تتسلل منها أشعة الفهم العميق لمعنى الوجود.
لعل المثالية الحقيقية ليست في العيش دون إيذاء، بل في اليقظة المستمرة لكل حرف يتدفق من شفاهنا، لكل نظرة تنبعث من عيوننا، ولكل إشارة تصدر عن جوارحنا. هي رحلة وعي لا تنتهي، تدعونا للتأمل في كل كلمة قبل أن تعبر حاجز الصمت إلى عالم الصوت، حيث تصبح حقيقة لا يمكن استردادها.

اترك تعليقاً