تُعدّ زنوبيا واحدة من أبرز الشخصيات التاريخية التي شكّلت ملامح الهوية السورية في العصور القديمة، إذ جسّدت في فكرها وسياساتها مزيجًا فريدًا من الشرق والغرب، فكانت رمزًا للتنوّع الثقافي ولروح التسامح التي تميّز بها الشعب السوري عبر العصور.
لم تكن زنوبيا مجرّد ملكة عابرة في تاريخ الشرق القديم، بل ظاهرة حضارية استثنائية مثّلت ذروة الازدهار الثقافي والسياسي لسوريا القديمة. كانت لغتها الآرامية، وأرضها سورية، وحلمها تأسيس دولة مستقلة تُعيد للمنطقة مكانتها وتكسر هيمنة الإمبراطورية الرومانية التي فرضت سيطرتها على بلادها.
لقد جمعت زنوبيا بين القوة والحكمة، وبين الطموح والإيمان بالهوية الوطنية، فاستطاعت أن تبني نموذجًا لدولةٍ مزدهرة ثقافيًا واقتصاديًا، امتد تأثيرها من تدمر إلى مصر وآسيا الصغرى. وبرغم سقوط مملكتها على يد الرومان، فإنّ نهايتها لم تكن أفولًا، بل بداية أسطورةٍ خالدة ألهمت المؤرخين والشعراء والفنانين على مدى قرون.
تبقى زنوبيا حتى اليوم رمز المرأة السورية التي تجمع بين الإرادة والذكاء، وبين الاعتزاز بالهوية والانفتاح على العالم، لتظلّ شاهدًا حيًّا على عظمة الحضارة السورية وقدرتها الدائمة على التجدد والصمود.
