سؤال الوطن… والهويّة…!؟

د. ناصيف قزي –
بعد أن دأبْتُ على نَشْر صُوَرٍ على فايسبوك (stories) تعكس، فيما تعكس، جمال الطبيعة وتعاقُب الفصول؛ سألني صديقي -وهو رفيق نضالٍ قديم، دارت به الأيام ليحطّ الرحال في سيدني/ استراليا؛
سألني:
“تغيّرَت اهتماماتُك يا دكتور للفن والذوق الرفيع، بعد ما كانت صاخبة نحو الوطن والقضية”…!؟
أجَبْتُه:
عندي، يا صديقي، أن الطبيعةَ، بجمالاتِها، تعْكِس عظَمَةَ الخالق، تُعيدُك إلى صفاء ذاتِك وتُريحُك في أزمنة الشِدّة والكآبة والأهوال…
أما “الوطن والقضيّة”، والأصح “الوطن/ القضيَة”، فهو جُرْحُنا الدَهْريّ الذي لم تعد تضمّده كلّ العقاقير…!؟
أحاول أن أخرج من جرحي هذا إلى الطبيعة/ الخالق… إلى السكينة والأمان… وقد أدرَكْتُ أنّ عجَلَةَ الزمان تسير بإحكام وانتظام… كما وسبق لي، قبل سبع سنوات، أن قلت: “العالم لم يعد عالمي” و”الطبيعة… طريقنا إلى الله”…!؟
ثم كان صمتٌ، ليتابع صديقي مساءلته لي قائلاً:
“استَسْلَمنا للطبيعة…!؟ والوطن، تسلّمه الزعران…!؟ يعني علينا البقاء بالغربه وعدم العودة إلى الوطن لحين”…!؟
هو السؤال الذي لم أتردّد يوماً في الإجابة عنه:
صحيح أن أحداثاً خارجيةً متلاحقةً، دوليّة وإقليميّة، أقْعَدَتْنا عن بلوغ مرحلة الدولة القادرة والعادلة، وأبْقَتْ مجتمَعَنا عُرْضَةً للغرائز والعصبيّات التي ما ولّدَت إلّا خضّاتٍ وأزماتٍ وفتناً وحروباً… وأوقعتنا في الفراغ… وما أدراك ما الفراغ، الذي وإن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على عبثِيّة الإنتماء والأداء…!؟
أزعم، يا صديقي، بأننا شعب أدركته “المعطوبيّة” باكراً، ولست أدري ما إذا كانت نشوئيّة لديه…!؟ فلا هو مدركٌ تماماً جوهر معتقداته وعقائده وأخلاقيّاته ولا حتى بديهيّاته التي هي لصيقةٌ بآدميّته…
لذلك، ترانا، وبعد نيفٍ ومئة عام على إعلان ما أسموه “دولة لبنان الكبير”؛ ترانا، لم نَبْنِ دولة، دولة قانون… ولم نَبْنِ إنساناً، مواطناً… لم نحافظ على قِيَمِنا، بل إرثِنا المتنوع والعريق… لم نَصُنْ مجتمعنا بسورٍ حصين، نِبراسه التنشئة الوطنيّة الإنسانيّة، بل بقينا، وللأسف، مجتمعات تتفاعل فيما بينها بمعايير متدنّية، إذا ما قِيْسَتْ بمداركنا وقدراتنا المفترضة…
وفوق ذلك، فنحن لم نأخذ العِبَر من تجاربنا القاسية وسقطاتنا المدمّرة في القرنين الأخيرين -فما عليك إلا أن تتابع “منصّة X” لتُدْرِك أيّ مستوى من الإنحطاط قد بَلَغْنا في حواراتنا ونقاشاتنا… وإلى أي مدى نحن متنافرون ومتباعدون بعضنا عن بعض…
فيا صديقي،
يؤلمني ما أتفوّه به في هذه العُجالة… فما أخشاه هو أن نستحيل هُويّة ضائعة على دروب العالم… بل أكثر من ذلك، أنا خائف أن نكون من الجيل الأخير لذاك اللبنان الذي لم يَعُدْ…!؟
ألّهُمّ إنّي قد أجَبْتْ… وبلّغْت…!؟

اترك تعليقاً