صرخة إنسان… صلاة كاهن

You are currently viewing صرخة إنسان… صلاة كاهن
الإكسرخوس الرسولي الأباتي فادي بو شبل-
في زمن تتزاحم فيه أخبار الحروب والمآسي حتى كادت تصبح مشاهد عابرة في نشرات الأخبار، يطلّ علينا الواقع بوجهه القاسي: جوع، عطش، خوف، تهجير وخراب. ليست هذه مجرد أرقام أو عناوين، بل وجوه بشرية تنزف وتصرخ. أمام هذا المشهد، لا يسعني إلا أن أرفع صوتي بالاعتذار.
أعتذر من الإنسان الجائع والعطشان الذي يمد يديه فلا يجد خبزًا ولا ماء.
أعتذر من الأطفال الأبرياء الذين يدفعون ثمن صراعات الكبار وحروب المتسلطين.
أعتذر من الله، لأن صورة الإنسان التي خُلقَت على مثاله قد شوهها أخوه الإنسان بظلمه وقهره ووحشيته.
لكن، من سيمحو من الذاكرة مشاهد الجوع والعطش؟ من سينسى التهجير والخراب؟ من سيقدر أن يمحو من الذاكرة صرخات الأمهات ودموع الأطفال؟ أسئلة موجعة لا تنتهي: من؟ ومن؟ وألف من؟
وجعي كإنسان، لأنني عشت الحرب والحصار والخوف، ورأيت الموت يخطف الارواح اكثر من مرة.
وجعي كمؤمن بالمسيح، لأنني أرى بأم عيني وحشية الإنسان تجاه أخيه الإنسان، فيقتل باسم السلطة ويهدم باسم الطمع ويظلم باسم القوة.
وجعي ككاهن، لأنني أعلم أن إلهي يتألم في كل متألم، ويُصلب من جديد في كل مظلوم، ويُساق إلى الذبح في كل بريء يقتل بلا ذنب.
غير أنني أشعر بان الخطر الأكبر اليوم لا يكمن فقط في مشاهد الدمار، بل في اللامبالاة التي تسكن في قلوبنا كما في قلوب الكثيرين. حين نصبح غير مبالين بآلام الآخرين نكون قد وقعنا في خطيئة اجتماعية خطيرة، لأنها تقتل الضمير وتميت الإحساس بالآخر.
كلنا مدعوون أن نتعالى عن كل ما لا يمت إلى جوهر الإنسانية بصلة، وأن نطلب من الله أن يساعدنا على الابتعاد عن هذا الجمود القاتل.
فلا الدين ولا الثقافة ولا الذاكرة ولا حتى الجراح القاسية يمكن أن تبرر التخلي عن محبتنا للانسان اياُ كان. مهما اشتدت الظروف ومهما تعمقت الجراح، تبقى القاعدة الأساس: الإنسان أولاً، والإنسانية فوق كل اعتبار.
أمام ما تراه عيوننا وتسمعه آذاننا، لا يسعني إلا أن أصرخ من اعماق قلبي:
“ارحم يا رب، ارحم شعبك، ولا تسخط علينا إلى الأبد.”
هذه الصرخة ليست يأسًا، بل رجاء. إنها صلاة مؤمن وصرخة كاهن ودعوة إنسان إلى أخيه الإنسان. هي التماس رحمة من الله القادر وحده أن يبدّد ليل الألم بنور القيامة، وأن يحوّل تاريخ الجراح إلى تاريخ خلاص.
بغيني من هذا الاعتذار ان أعيش توبة حقيقية، وان يكون لوجعي سبيلا للصلاة، ولصرختي طريقًا إلى رحمة الله وإلى نهضة إنسانية جديدة

اترك تعليقاً