صناعة الخبز في جزين خلال خمسينيات القرن العشرين

You are currently viewing صناعة الخبز في جزين خلال خمسينيات القرن العشرين

تُعد خمسينيات القرن العشرين مرحلة مهمة في تاريخ مدينة جزين جنوب لبنان، حيث تميزت هذه الحقبة ببروز مجموعة من التقاليد اليومية التي أسهمت في تشكيل الذاكرة الثقافية والاجتماعية للمدينة. ومن أبرز هذه التقاليد دورة صناعة الخبز، التي شغلت مكانة مركزية في حياة المجتمع الجزيني، إذ تعددت أدوار العائلات في هذا النشاط، الذي اتسم بالتكامل بين الأفراد والطبقات الاجتماعية.

كانت مطحنة جزين، التي تقع بالقرب من نبع المدينة أو ضمن نطاق السوق القديم، المصدر الرئيس لطحن القمح المحلي أو المستورد. وكانت النساء، وبخاصة من عائلتي الحلو وبوراشد، يقمن بشراء أكياس الطحين بعد الطحن، ويحملنها على رؤوسهن عبر الأزقة الضيقة إلى أحياء قديمة مثل حارة العين وحارة القلعة. هذه العملية اليومية لم تكن مجرد نشاط اقتصادي، بل شكلت جانبًا من نمط الحياة الذي تميز بالبناء الاجتماعي والتكافل العائلي.

بالإضافة إلى الخبز البيتي، برز فرن الزحقا كأحد الأفران العمومية التي كانت تخدم الحي بأكمله. فقد كان هذا الفرن محطّة أساسية لخبز كميات كبيرة من العجين المخمّر الذي تحضره النساء في الصباح، مما يعكس اعتماد المجتمع على هذه البنى التحتية المحلية في تأمين حاجاته الغذائية.

على صعيد الرجال، كان لهم دور مهم في توفير موارد الحطب اللازم لتشغيل أفران الخبز. حيث كانوا يجمعون الحطب من غابات جبل العاصي، مستفيدين من موارد طبيعية محلية، ويخزنونه في مناطق استراتيجية ضمن المدينة، مثل أحياء الكنائس القديمة، مما يعكس التكامل بين الطبيعة والعمل المحلي في دعم دورة الخبز.

تُظهر الوثائق العائلية والروايات الشفوية وجود اقتصاد منزلي قائم على بيع الطحين ضمن نطاق محدود، ما يعكس وجود شبكات اجتماعية واقتصادية داخلية قبل التحولات التي شهدها السوق المحلي لاحقًا. كما كانت دورة صناعة الخبز تعزز أواصر التكافل الاجتماعي بين العائلات والجيران، وهو ما يعكس الخصائص المجتمعية لجزين في تلك الحقبة.

يمكن اعتبار هذا المشهد التاريخي نموذجًا حيًا يعكس تداخل العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، والبيئية في بناء ذاكرة محلية مستدامة، كما يسلط الضوء على أهمية دور العائلة والمجتمع في الحفاظ على التقاليد والهوية الثقافية في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة في منتصف القرن العشرين.

اترك تعليقاً