قارب

بقلم زينب الزبيدي –

كنا قد تشاجرنا مع بعضنا البعض في ذلك اليوم اللعين

وأخذ يركلني بقدميه لأن صديقنا الآخر رحل غريقاً،

بعد عاصفة هوجاء في وسط الأمواج ، ولم يستطع أنقاذه

فأبتلعه البحر .

وغاب عن أنظاره بلمح بصر ،

وقتها كنا عائدين لتونا من جولتنا البحرية الأخيرة ،

كان الليل يلفنا بعبائته السوداء المرصعة بأنواء شتى

فقد كانت سمائه تتشابك ألوانها بين الأسود والرمادي ،

والبحر يتماوج بغضب يضرب ساريتي

كمجنون أطلق من زنزانته للتو .

وتكالب القمر يومها ولم يسعفني ببعض الضوء

تعالت صرخات وأنين بين ثنايا الأمواه الصاهلة

كنت أشعر ببلاهة ما يحدث أمامي في مشهد أستجلائي لعين

أتمايل كأفعى ممسوسة قسّمت لنصفين ،

أتلقى صليل أمواج البحر ببرودة غريبة .

كأمرأة حان مخاضها البكر ،

وسمعت لأول مرة صرخات وليدها .

تقاذفتني اللجج مثل كرة عمياء فقدت طريقها .

مازلت أتذكر انه وقبيل الصباح بساعة..

وبعد هدوء العاصفة أستيقظ صاحبي من غيبوبته القصيرة وهو يرعد ويبرق ويحلف أنه لن يعود للصيد أبداً على سطح مركبي هذا .

كان أخر عهدي به بكائه الشديد على صديقه الذي رحل

وكنت قد سألته مراراً :

وأنا ؟

لم يجبني

وكأننا لم نكن صديقين منذ عشرات السنين أبداً .

هكذا ببساطة تخلى عني

ألملم شتات جراحي على ساحل البحر هذا

تثخنني الجراح والنزيف المتكرر للحزن

أقف الآن وحيداً أتوجع بصمت ،

أرقب البحر بنظرات حاقدة ظلي وهو يرتسم على سطح البحر والملم شظايا بؤسي وماتبقى مني ، مثل زوجة فقدت زوجها في جبهات القتال .

فقد كبرتُ فجأة وشاخت ألواح خشبي، وتهرئت على حين غرة أشرعتي..

وزهد بي أكثر من مروا بي من بعده .

اترك تعليقاً