ونظلّ نحن لُغزًا في هذه الحياة، نحن الذين لا تظهر على ملامحنا إلا ملامحُ الهدوء، لا نلجأ إلى أحد حين يعصف بنا الحزن، نُداوي جراحنا بصمت، ونُكمِل الطريق رغم الألم. نحن الذين لا نستسلم لمرارة الأيّام، نتقبّل ما يجري دون ضجيج، ثم نواصل المسير بسلام… فالسّلام لأرواحنا حين يغيب عن حياتنا السّلام.
تشابهت الأيام، وتشابه النّاس، فلم يعُد يهمّنا من بقي ومن رحل. تشابهت الوجوه من حولنا، والعلاقات، والمشاعر، حتى الآلام والصدمات والخيبات… تشابهت حتّى لم تعُد تُحرّك ساكنًا في دواخلنا، بل بتنا نتوقّعها من الجميع، في أيّ لحظة، مهما بلغت مكانتهم في قلوبنا.
تشابهت مشاعرنا، فحلّ الضّحك مكان البكاء؛ نضحك من شدّة البؤس، ونبكي حين يُفاجئنا الفرح. ضائعون وسط هذا التّشابه، لا نُميّز، لا ننجذب، ولا ننفُر… لقد طُمِست كلُّ متعة، ونُزِعت كلُّ لذّة، وقُتِلَت كلُّ رغبة، وأُحبِطَت كلُّ محاولة.