يقول عبد الوهاب المسيري .. «كان التعليم مجانيًا ممتعًا، وبالتدريج أصبح غير مجاني بسبب الدروس الخصوصية، ثم أصبح لا علاقة له بالتعليم، إذ أصبح التعليم الآن هو اكتساب مقدرة اجتياز الامتحانات.»
بمعنى أن التعليم فقد روحه الأصلية، فلم يعد رحلة للمعرفة أو تنمية للعقل، بل مجرد وسيلة للعبور عبر الامتحانات. البداية كانت واعدة، حيث كان التعليم حقًا عامًا ومجالًا للمتعة والاكتشاف، ثم تحوّل تدريجيًا إلى سوق يُستنزف فيه الطالب بالدروس الخصوصية، حتى انتهى إلى صورة آلية لا تُنتج إلا مهارة اجتياز الأسئلة. في علم الاجتماع التربوي يُعرَف هذا بظاهرة التشييء التعليمي (Educational Commodification)، حيث تُختزل العملية التربوية في سلعة وأداة لامتحان، بدل أن تكون وسيلة لتكوين شخصية متكاملة. فلسفة المسيري هنا تكشف أن أخطر ما يواجه التعليم ليس نقص الموارد، بل فقدان المعنى؛ حين يصبح الهدف النهائي شهادة ودرجات، لا عقلًا قادرًا على التفكير والإبداع.