مولد العذراء مريم

You are currently viewing مولد العذراء مريم
الآباني بيار نجم –
يقول سفر المزامير: “إن إنتظار نفسي للرب أشد من إنتظار الرقباء للصبح والساهرين للفجر” (مز 130). بهذا نفهم معنى أهمّية حدث مولد العذراء. لولا المسيح، لكانت ولادة مريم كولادة المئات من بنات مدينتها، وكآلاف الولادات من بني شعبها، ابنة تضاف الى عداد شعب الله واسم آخر يسجّل في سجلاّت جماعات اسرائيل. إن أهميّة ولادة العذراء يرتبط بأهميّة ولادة ابنها في المستقبل، لذلك قلنا: ” إن إنتظار نفسي للرب أشد من إنتظار الرقباء للصبح والساهرين للفجر”، فولادة العذراء هي الفجر، والفجر ليس هو الشمس، بل هو النور الّذي يكبر رويداً رويداً معلنا قرب وصول الشمس. ومريم هي مثل الفجر الّذي يشير الينا الى أن شمس خلاصنا بدأت تطلع، وأن نور مخلّصنا بدأ يكبر. مريم هي علامة رجاء للبشريّة، لأنّ ولادتها هي تمهيد لولادة الطفل الّذي سوف يعطينا الخلاص.
إكرامنا للعذراء هو مثل التطلّع الى الفجر يبزغ. من منّا لم يختبر ليل قضيناه في مستشفى، في الليل، حين تخفت كلّ الأصوات حولنا ونبقى وحدنا مع ألمنا. صمت الليل هذا يضعنا أمام أنفسنا، أمام خوفنا، أمام موتنا. ولكن الرجاء يعود الى قلبنا حين نبدأ برؤية الفجر يولد، يشير الينا الى أن الشمس سوف تسطع قريباً، والحياة سوف تدبّ على الأرض وحولنا من جديد، سوف نسمع أصوات أحبّائنا، ونرى من حولنا أخرين يعزّوننا في ألمنا ويخّففون عبء الوحدة التي نشعر بها. هكذا نفهم ميلاد السيّدة العذراء، هي الفجر يسطع معلناً: لقد اقترب وصول شمس البرّ والقداسة، شمس الخلاص والحبّ، شمس المسيح المخلّص. لهذا ننادي المسيح في الليتورجيا المارونيّة قائلين: “يا شمس البرّ الخارج من مريم، الفجر الحقّ، على ظلام هذا العالم لتنيره”.
إن طفولة مريم هي صورة روحيّة لكلّ واحد منّا، فالطفل هو رمز للبراءة وللإتّكال:
مريم الطفلة الرضيعة هي صورة للكائن الرّوحيّ الّذي يجب أن نصل اليه، الكائن البريء، الّذي يرى جمال الخليقة وجودة البشر الآخرين. هي صورة الكائن الّذي لم يحوّله المجتمع والخطيئة الى كائن قاس، أنانيّ، ينتقم، يكره، يحقد، يشكّ ويقتل.
ولكّنها أيضاً صورة للإتّكال على الله الآب، فالطفل يستسلم بين يدي والده، يشعره بينهما بالآمان، لا يخشى السقوط، لا يتسائل أبداً إن كان والده سوف يجعله يسقط في لحظة ما. لأنّه يحبّ يثق، ولأنّه يثق يستسلم لإرادة والده. هو مثال لكلّ واحد منّا يعلّمنا معنى الإيمان، أن نحبّ ونثق ونستسلم بين يدي الآب ونقبل بإرادته، لا نطرح تساؤلات ولا نضع على الله شروطاً.
الطفولة هي أيضاً صورة للكائن المحتاج الى عناية دائمة، هي صورة للملكوت الّذي رغم قوّته الا أنّه يحتاج الى عنايتنا لكيلا يموت، تماماً مثل الطفل الّذي رغم جماله، هو معرّض للموت إن لم يهتم والداه به. مريم الطفلة هي صورة للملكوت الّذي قدّمه الله لنا والّذي يحتاج الى عنايتنا ليبقى حيّاً ولا نفقده بخطيئتنا.

اترك تعليقاً