في عشقوت، حيث تعانق الجبالُ الغيومَ وتتنفّس الأرضُ عبيرَ الصنوبر، يستيقظُ الخريفُ بخطواتٍ واثقة، وينسجُ على التلال رداءً من ذهبٍ ونحاس. تتبدّل ملامح الطبيعة بهدوءٍ يليقُ بأرضٍ اعتادت صمتَ التأمل، فتتساقط الأوراقُ كأنّها رسائلُ حنينٍ تركها الصيفُ عند بوّابات الذاكرة.
هنا، لا يبدو الخريفُ موسماً عابراً، بل طقسُ عبادةٍ للطبيعة؛ تتهادَى فيه أشعةُ الشمس على كروم العنب، وتتناثرُ الألوانُ على سفوح القرى في مشهدٍ يُشبه لوحةً رسمتها يدُ الخالق بإتقان. وفي الأزقّة القديمة، تفوحُ رائحةُ التراث، فيتمازج عبقُ الخشبِ المُشتعل بنكهةِ القهوة الصباحية، وتنسابُ حكاياتُ الأجداد مع الريح الرطبة.
عشقوت في الخريف ليست مجرّد مكان، بل حالة وجدٍ وهدوءٍ وسكينة؛ حيث يلتقي الجمالُ بالذاكرة، ويصبحُ الزمنُ أكثر بطئاً، وكأنّه يخشى أن يوقظ هذا السحر من سباته. هنا، تتزيّن الأرضُ بأثوابها الملونة، وتغدو اللحظاتُ قصائدَ تنبض بين أغصان الصنوبر ورذاذ الضباب العالق في الفجر.
هكذا تتجمّل عشقوت في حضرة الخريف، قريةٌ ترتدي جمالها بثقة، وتمنح زائرها فرصة رؤية الزمن بعين شاعرٍ وقلبٍ مُحب.
