الخوري نسيم قسطون
أغمض عينيك لفترة…
ستلاحظ بأنّك تركّز في مرحلةٍ أولى على السواد والظلمة وبعدها تتنبّه إلى الأصوات لدرجة أنّ أدناها سيصبح واضحاً بالنسبة إليك…
في الأحد الأخير في زمن الصوم وفيه نتأمّل معاً في شفاء الأعمى “برطيما، أي ابن طيما” (مرقس 10: 46-52).
طيما ابن طيما هو شحّاذ وأعمى، ولكّنه عرف كيف يستفيد من هاتين الصفّتين إيجابًا في تواصله مع الربّ يسوع.
هذا الأعمى الّذي اعتاد أن يشحذ من النّاس قوتًا او مالًا، عرف أن يسأل من الربّ يسوع ما يناسبه وهو الرّحمة… لم يسأل مالاً ولا نجاحًا ولا قوتًا ولا ملبسًا ولا حتّى شفاءً (في أوّل مرحلة) بل دخل فورًا في صلب الموضوع وهو رحمة الله لبني البشر الّتي تجلّت في ابنه الوحيد، الفادي المخلص!
أمّا العمى، فقد ساعده أن يتعلّم الإصغاء فأدرك من كلام النّاس أن يسوع الناصريّ مارٌّ وكان قد سمع الكثير عنه طبعاً كي يعني له الإسم بهذا الشّكل… فقاده الإصغاء إلى المعرفة بأنّ يسوع هذا هو ابن داود، المسيح المنتظر وهو ما كان قد عمي عنه الكثير من أقرانه، ذوي الأعين الّتي ترى ولكن لديها قلوب لا “تبصر”، وهي النّعمة الّتي سألها الأعمى كطلبٍ منه إلى الربّ.
من المؤكّد أن “بَرْطِيمَا” الاعمى كان أكثر فهماً لهويّة يسوع من الكثير ممّن رافقوه…
فكثيرٌ منهم شكّكوا بألوهيّة الربّ يسوع…
آخرون اندهشوا أمام الآيات التي كان يقوم بها وسرعان ما كانوا يعودون إلى سابق شكوكهم أمام أسخف صعوبة أو اعتراض من الفرّيسيّين أو سواهم!
أمّا الرسل، الأقرب عمليّاً إلى الربّ يسوع، كانوا أحياناً من الأكثر عرضة للشكوك!
أمّا هذا الأعمى فقد نادى يسوع بلقب المسيح المنتظر أي “إبن داود” وتخطّى ذلك إلى طلب الرّحمة إليه وهي لا تطلب إلّا من الله وحده لما تتضمّنه من إيمانٍ بقدرةٍ تفوق قدرة الإنسان بكثير إذ من يرحم ويغفر إلّا الله وحده؟!
أمام هذا الأعمى – المبصر جدّاً روحيّاً، لا بدّ لنا أن نسأل ذواتنا حول مدى إيماننا بالمقارنة معه ومدى إدراكنا لهويّة الربّ يسوع كربٍّ وكمخلّصّ!
كم نحتاج أحياناً إلى الانعزال عن انبهارنا بأضواء العالم كي نركّز سمعنا على الإصغاء إلى كلمة الله فنشفى من الدّاخل وندرك بأنّ رحمة الله هي أغلى ما نملك وأهمّ ما يجب أن نسعى إليه في حياتنا فننتقل من العمى الماديّ أو الرّوحيّ إلى الإبصار الحقيقيّ فنتعرّف إلى وجه يسوع في وجه كلّ من نلتقي به في يوميّاتنا.
في هذا الأحد، تعالوا:
- نتوجّه إلى الربّ بطلب ما ينقصنا فعلًا من الدّاخل دون أن نكتفي بطلب ما يعوزنا ماديًّا أو معنويًّا فحسب!
- نتعامى عمّا يعوقنا عن إبصار رحمة الله وأعماله في حياتنا من أمجاد أو ماديّات أو مناصب أو…
- نتبع يسوع، كالأعمى- المبصر في حياتنا!
Share via:
