الخوري نسيم قسطون:
في أحد الثالوث الأقدس، نتأمّلٌ معاً في خاتمة إنجيل القدّيس متّى (28: 16-20)، حيث يرد ذكر الثالوث الأقدس بوضوح في قول الربّ يسوع: “عَمِّدُوهُم بِإسْمِ الآبِ والإبْنِ والرُّوحِ القُدُس”!
لقد أضافت الكنيسة الشرقيّة لاحقاً عبارةً تلخّص حقيقة سرّ الثالوث الأقدس وهي “الإله الواحد” لإزالة أي التباس حول وحدة الأقانيم لاهوتيّاً فالله إلهٌ واحدٌ في ثلاثة أقانيم متّحدة في جوهرها الإلهيّ حكماً…
كثيرون يتساءلون حول كيفيّة تفسير هذا السرّ بطريقةٍ سهلة للنّاس…
إحدى الطرق هي التالية: فلنعتبر أنّ فلاناً هو إنسان متزوّج… هو في الآن ذاته: إبن والديه / زوج زوجته / والد أولاده…
كلّ يناديه وفقاً للصفة التي تربطه فيه وحتّى لو نادوه سويّةً سيبقى واحداً… فلو ناداه والده: يا ابني، وزوجته: يا زوجي، وابنه: يا والدي… يمكنه أن يجيب بنعم واحدة لأنّه هو ذاته لم ينقسم…
كثيرةٌ الصور المماثلة لهذه ورغم ذلك تبقى أعجز من توضيح كلّ الصورة نظراً لعمق هذا السرّ وغناه!
لذا، في هذا الأحد، تدعونا الكنيسة لنتعمّق أكثر في هذا السرّ العظيم الّذي يشكّل أساس ديانتنا المسيحيّة!
لقد عرّفنا الربّ يسوع (الإبن) إلى الآب وحدّثنا عن الرّوح القدس ودوره في حياتنا ليشدّنا أكثر إلى الله فنضحي أبناءً للآب من خلال تماهينا مع الإبن بنعمة ونور الرّوح القدس…
من المهمّ التنبّه إلى أنّه في إنجيل اليوم نجد التلاميذ يسجدون برغم الشكّ وهذا أوّل حلٍّ لتدارك شكوكنا…
أمام الله، متى سجدت، فأنت ستتواصل مع نفسك أوّلاً ومع ربّك في حلقةٍ ضيّقةٍ تعرض داخلها كلّ الهموم والشكوك وما يثير الفتن ما بينكما…
عندها ستضحي أكثر جهوزيّة للإصغاء إلى كلام الربّ في إنجيل اليوم.
فالربّ يدعوك إلى الثقة بقدرته رغم كلّ العواصف فهو قال: “لَقَدْ أُعْطِيتُ كُلَّ سُلْطَانٍ في السَّمَاءِ وعَلى الأَرْض” وهو، متى وثقت به، يرسلك لتشهد له بقوله: “إِذْهَبُوا إِذًا فَتَلْمِذُوا كُلَّ الأُمَم” ولتدخل العالم في ملكوت الله: “وعَمِّدُوهُم بِإسْمِ الآبِ والإبْنِ والرُّوحِ القُدُس” ويعطيك مفتاح السعادة في هذه الحياة: “وعَلِّمُوهُم أَنْ يَحْفَظُوا كُلَّ مَا أَوْصَيْتُكُم بِهِ” وإن ضعفت يرشدك إلى ما يقوّيك: “وهَا أَنَا مَعَكُم كُلَّ الأَيَّامِ إِلى نِهَايَةِ العَالَم”.
إنجيل اليوم يدعونا إلى “شدشدة” براغي إيماننا وسلوكنا المسيحيّ ويرشدنا إلى السبيل الأسلم لنحقّق دعوتنا كي نكون صورة الله ومثاله بالأبوّة والعناية بمن حولنا كالآب وبالمحبّة والغفران كالابن وبالمواكبة لهمومهم وحياتهم كالرّوح القدس.
أحد الثالوث الأقدس فرصةُ لشكر الله على غناه فهو واحدٌ في الألوهة ومثلث الأقانيم وفقاً لما يتجلّى به وهذا ما فهمته الكنيسة وترجمته في قانون الإيمان ودعتنا في تعاليمها كي يكون إيماننا بسرّ الثالوث الأقدس إيمانًا حيًّا تحرّكه ديناميّة التشبّه بهذا الإله الّذي احبّنا حتّى المنتهى، لا قولًا وحسب، بل من خلال أهمّ الأفعال: الفداء!
أحد مبارك!
Share via: