أحد العنصرة

بقلم الخوري نسيم قسطون-

يعتبر عيد العنصرة بمثابة عيد ميلاد الكنيسة كجماعة مدعوّة للشهادة لقيامة الربّ يسوع من بين الأموات بنعمة ودفع وقوّة الرّوح القدس.

في نصّ أعمال الرسل 2: 1-21، تجلّى حلول الرّوح القدس على الحضور في موهبة الألسنة حيث “إمْتَلأُوا كُلُّهُم مِنَ الرُّوحِ القُدُس، وبَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى، كَمَا كَانَ الرُّوحُ يُؤْتِيهِم أَنْ يَنْطِقُوا” وكان كلّ واحدٍ من الجمع “يَسْمَعُهُم يَتَكَلَّمُونَ بلُغَتِهِ”.

هذا الحدث ما زال يغذّي الكنيسة اليوم ولو بأساليب جديدة أو مغايرة لتلك التي شهدها من عاينوا حدث العنصرة.

فالشهادة للربّ يسوع اليوم والتي كانت مشافهةً أضحت مكتوبة ومقروءة ومسموعة ومرئية عبر الكتاب المقدّس والكتب الرّوحيّة وعبر مجلّات وصحف ورقيّة أو إلكترونيّة وعبر شاشات التلفاز أو وسائل التواصل الإجتماعيّ وكم وكم من المكرّسين أو من العلمانيّين يبدعون في نشر رسالة الربّ يسوع وفي تقديمها للعالم بحلل جديدة وعصريّة دون المسّ بجوهرها طبعًا!

بهذا المعنى، الإحتفال بعيد العنصرة يدعونا جميعًا إلى متابعة هذه المهمّة العظيمة، في قلب الكنيسة، عبر إنفتاح القلب على عمل الرّوح القدس لتشعّ أنواره عبرنا ومن خلالنا إلى العالم فننضحه بروح الله الّذي يسكن قلوبنا!

في هذا العيد المبارك، نتذكّر أيضاً كلام الربّ يسوع في إنجيل يوحنّا 14: 15-20.

لقد أكّد الربّ لنا: …”لَنْ أَتْرُكَكُم يَتَامَى”.

من المؤكّد أنّ كلّ من اختبر تجربة فقدان أحد الأشخاص الأعزاء يفهم أهميّة وعد الربّ يسوع هذا.

فأمام خوف التلامذة واضطرابهم الناتج عن تساؤلهم المستمر حول مصيرهم في مرحلة “ما بعد يسوع”، يأتي هذا الجواب ليطمئنهم إلى حضوره الدائم في حياتهم واستطراداً في حياة الكنيسة ولو اختلف شكل أو آلية هذا الحضور.

نعم، لقد تغيّر الشكل وبقي المضمون:

  • بدل الجسد البيولوجي أصبح لدينا القربان.
  • بدل الكلام “المباشر” أصبح لدينا الكتاب المقدّس، بعهديه، أي الكلام “الدائم” حيث بإمكان كلّ باحث عنه إيجاده والكلام إليه والتعلّم منه.
  • بدل الفعل “العينيّ” أصبح لدينا الحضورٍ “المتجسّد” في الأسرار حيث يكون اللقاء أكثر حميميّة على مقدار ما نؤمن ولنتذكّر هنا أنّ الطوبى لمن آمن ولم يرى. 
  • بدل العلاقة المشروطة بالزمان والمكان أصبح لدينا الصلاة الممكنة في كلّ زمان ومكان وفقاً لكلام الربّ يسوع القائل كلّما اجتمع اثنان باسمه كان هو الثالث بينهما.

ولكن هل من قيمة لكلّ ما سبق لولا دور الروح القدس الذّي قال فيه الربّ: “وأَنَا أَسْأَلُ الآبَ فَيُعْطِيكُم بَرَقلِيطًا آخَرَ مُؤَيِّدًا يَكُونُ مَعَكُم إِلى الأَبَد”

البرقليط هو المحامي أو المعزّي أو المؤيّد والمقصود هنا هو الأقنوم الثالث من الثالوث الأقدس أي الروح القدس.

إن أشكال حضور يسوع التي عدّدناها ترتبط جميعها بدور وحضور الروح القدس.

لقد رأينا في قراءة أعمال الرسل أن الكنيسة كجماعة واحدة ومتعدّدة في آن، هي جماعةٌ يؤسّسها ويوجّهها ويدبّرها بشكلٍ كامل الروح القدس:

  • فالمؤمن بيسوع يصبح مسيحياً مع حلول الروح القدس عليه في سرّ المعموديّة ويصبح شاهداً لقيامة يسوع بمسحة الروح القدس في سرّ التثبيت.
  • يتوحّد مع يسوع في سرّ الافخارستيا حيث لا يتمّ تحولّ البرشان والخمر إلى جسد ودم يسوع المسيح إلا بحلول الروح القدس.
  • والمؤمن، إن أخطأ، لا يشعر بحجم الخطيئة لولا نور الروح القدس الّذي يفضح جسامة الشرّ ويكشف جمال الخير فيقود الابن “الشاطر” إلى “بيت الأب المحبّ” في سرّ التوبة والمصالحة (“سرّ الاعتراف”).
  • والروح القدس هو الّذي يجعل من الرجل والمرأة “جسداً واحداً” وشركاء في المجد والكرامة كما في الألم والهوان كما يظهر في رمزية الرفرفة بالأكاليل على رأسي العروسين في سرّ الزواج.
  • وهو الّذي يعزّي ويشجع الخائف والمضطرب من جراء الآلام والأوجاع، في سرّ مسحة المرضى.
  • وهو الّذي يدبّر الكنيسة من خلال تأمين رعاةٍ لها في سرّ الكهنوت حيث يستدعى الروح القدس على المرشّح للدرجات الكهنوتيّة في صلاةٍ تعدّد ما يمنحه الروح القدس له من مواهب وما يكلّفه به من مهام.
  • كما أنّه هو الّذي ينير عقولنا وقلوبنا لنفهم كلام الله في الكتاب المقدّس وهو الّذي يصلّي فينا بأنّاتٍ لا توصف وهو الّذي يمنحنا المواهب التي تؤهّلنا لتحقيق شرط يسوع الّذي افتتح به إنجيل اليوم: “إِنْ تُحِبُّونِي تَحْفَظُوا وَصَايَاي”.

بمختصر مفيد: دون الروح القدس لا كنيسة! 

ولكن مع الروح القدس تبقى الكنيسة دائماً شابّة، دائماً متجدّدة، دائماً مستنيرة على شرط واحد: أن نفتح قلوبنا لدور الروح القدس لنكون في الكنيسة ومع الكنيسة.

 

أخي المؤمن، أختي المؤمنة،

 

ليست الكنيسة:

    • البابا أو البطريرك أو المطران أو الخوري وحدهم.
    • الراهب أو الراهبة وحدهما.
  • مبنى الكنيسة مهما كان كبيراً أو جميلاً إن كان فارغاً.
  • “صندوق العجائب” نستجد به لتحقيق أمنياتنا.

الكنيسة هي:

  • أنت وأنا ومن دوننا هي ضعيفة لأنها تنقص غصناً أساسيّاً وأنت وانا دونها نفقد “الماويّة” التي تجعلنا مسيحيّين.
  • أنت وأنا والجماعة التي، حول القربان وكلام الله، تضخّ الحياة في المبنى الّذي يصبح معها لا دونها كنيسة.
  • أنت وأنا حين نجتمع معاً لنساعد هذا ال”هو” المحتاج والفقير والمعوز.
  • جماعة تجعل بمحبّتها ورجائها المستحيل ممكناً!

تعالوا، في هذا الزمن المبارك، نتأمّل ونحيا كلمات القديسة تيريزيا الطفل يسوع:” في قلب الكنيسة أمّي، سوف أكون الحبّ”!

 

اترك تعليقاً