أحد القيامة

الخوري نسيم قسطون:

قرأت يوماً مقولةً مختصرها هو أنّ كلّ القبور عليها شواهد تفيد بأسماء الرّاقدين فيها ما عدا القبر المقدّس الفارغ لأنّ من كان يفترض أن يرقد فيه قد قام من بين الأموات وغلب الموت بالموت واهباً الحياة للّذين في القبور!

بعد أن تأمّلنا لمدّة أسبوع في آلام الربّ يسوع وبعد أن مررنا بتجارب الشكّ والخوف واليأس، نصل إلى هذا الوقت الّذي نعلن فيه قيامة الربّ يسوع المسيح من بين الأموات، هذا السرّ العظيم الّذي عليه يتأسّس إيماننا ويرتكز رجاؤنا، والّذي به تتبرّر محبّتنا لله ولإخوتنا البشر.

حدث قيامة الربّ أصاب تلاميذ الربّ بالّذهول ويصيب كلّ من يتأمّل به بالذّهول أمام محبّة الخالق لنا وغفرانه لنا وفهمه لإنسانيّتنا…

فإن كنّا نبحث عن الربّ يسوع في قبره فلن نجده هناك… فهو منذ أسلم الرّوح على الصليب أضحى حاضرًا في كلّ زمانٍ ومكان: في كلّ عمل محبّة، في كلّ عمل غفران، في كلّ فعل تواضع، في كلّ صلاة، في كلّ عبادة، في كلّ مكانٍ يُذكر اسمه أو يمجّد فيه مع أبيه وروحه القدّوس…

بالمعنى التّاريخيّ، قام ربّنا مرّة واحدة ولكنّه يقوم في حياة كلّ مَن قرّر أن يجعله سيّدًا على حياته وتاريخه عبر الإتّحاد الدّائم به في الصلاة وفي الأسرار المقدّسة…

في عيد الفصح، نجدّد إيماننا بالحقيقة المحوريّة التي ينطلق منها إيماننا وبها يستمرّ ويتغلّب على كلّ يأسٍ أو ألمٍ أو حزنٍ في حياتنا!

إنّه يوم العودة إلى حقيقتنا الجوهريّة كأبناءٍ لله بالتبنّي، نحمل في قلوبنا صورته كإلهٍ محبٍّ وغفور وثورته كمخلّصٍ للعالم من جور الخطيئة وظلامها الدامس…

إنّه أيضاً يوم العودة إلى الذّات المعدّة لاستقبال الفداء بروحٍ متجدّدةٍ بالتوبة والمحبّة والغفران…

إنّه يوم تجدّد ولادة الربّ يسوع في قلوبنا من نور القبر الفارغ الّذي يرمز إلى قلبنا الفارغ من دون سكنى الربّ فيه!

إنّه يوم القيامة من موت البعد عن الله ويوم العودة إلى الكنيسة لنحيا معاً فرحة القيامة!

فمن لم يختبر حقاً قيامة المسيح في حياته لن يتمكّن من الشهادة للمسيح القائم من بين الأموات في يوميّاته وفي أقواله وقراراته الحياتيّة!

وعليه، فالاحتفال بالقيامة لا معنى له ما لم يترافق مع قيامةٍ روحيّة من موتنا وبعدنا عن الله إلى حياةٍ هو محورها ومحرّكها الأساسي!

برمزيّة جميلة، نأخذ من القبر بركةً من الزّهور التي وضعناها في يوم الجمعة العظيمة وكأنّ الربّ أخذ مع ورودنا أرواحنا الخاطئة وردّها إلينا نقيّة، مقدّسةً ومعطّرة بعطر القيامة…

وبرمزيّة أخرى، نضع على الصليب الفارغ وشاحًا أبيض، علامةً على قيامة الربّ فنستخدم لفائف الكفن (علامة الموت) و الصليب (علامة الآلام) لنعلن قيامة مخلّصنا…

لقد ترك يسوع خلفه علامات موته.

وأنا؟

أنا مدعوٌّ اليوم أن أترك كلّ شيء يميتني (يبعدني) عن الله. وهذا لن يصير إلّا حين أتمتّع بالجرأة لأواجه ذاتي وأعترف بكلّ شي يسبّب هذا البعد عن ربّي أو عن إخوتي البشر.

لنتأمّل اليوم بمشهد الصليب الفارغ من المصلوب، والّذي يذكّرنا بأنّه مهما حدث معنا، في حياتنا، علينا أن نتذكّر، إذا كان لدينا الإيمان والرّجاء، بأنّه بعد الصّليب يوجد دائماً قيامة، قيامة من الموت والتعب والحزن إلى المجد والكرامة وخاصّة المحبّة الّتي ظهرت من الله لأجلنا والّتي نحن مدعوّون لتجديدها اليوم وفي كلّ يوم في حياتنا، لنكون فعلاً من أبناء القيامة الّذين يشهدون بصوت واحدٍ وبقلبٍ واحد: “المسيح قام! حقّاً قام”.

اترك تعليقاً