أحد الكلمة المتجسّد

You are currently viewing أحد الكلمة المتجسّد

الخوري نسيم قسطون:

نتأمّل اليوم معاً في إنجيل الكلمة المتجسّد (يوحنا 1: 1-18)، هذا النصّ الغنيّ جدًّا بمعانيه اللاهوتيّة…

في بداية كل شيء كانت الكلمة، والكلمة حياة ونور للعالم. كلمة الله ليست مجرّد أصوات تُطلق، بل هي دعوة للحياة، للحب، وللحقّ. من خلالها خلق الله الكون، ومن خلالها جاء الخلاص إلى الخليقة، وهي اليوم الزوّادة التي تُبقي رجاءنا حيًّا في دربنا نحو الأبدية.

الله، في محبّته المطلقة، اختار أن يكون قريبًا منّا، ليس فقط بالكلمة المكتوبة، بل بالكلمة المتجسّدة، يسوع المسيح. الربّ لم يأتِ بعيدًا عن حياتنا اليومية، بل سكن بيننا، عاش مثلنا، وشعر بآلامنا وأفراحنا. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، نتصرّف كما لو أنه غريب عنّا. نبحث عن معانٍ سطحية وسلامٍ زائف في “كلمات” لا حياة فيها، تاركين وراءنا كلمة الله التي تمنحنا الحياة الحقّة.

إنجيل اليوم يدعونا إلى اليقظة الروحية، إلى إعادة النظر في طريقة حياتنا. إنه ليس فقط تذكيرًا بحضور الله بيننا، بل هو نداء لنعيش وفق هذا الحضور. إذا تخيّلنا أن الربّ يسكن بجوارنا، كيف سيكون سلوكنا؟ هل سنغيّر من تصرفاتنا؟ هل سنسعى لنعيش حياة ملؤها الطهارة والمحبة والحقّ؟ الحقيقة هي أن الله ليس بعيدًا. هو معنا في كل لحظة، يسكن في قلوبنا، ينتظر منا أن ندرك حضوره وأن نعيش بناءً على هذا الإدراك.

لكن، يا للأسف، كم من مرة أهملنا هذا الحضور؟ كم مرة عبرنا عن كلام فارغ، أو جرحنا الآخرين بألسنتنا، متناسين أننا شهود للنور؟ الربّ يسوع يدعونا لأن نكون أداة في يده، نبني من خلال كلماتنا علاقات قائمة على المحبة والاحترام، ونُظهر من خلالها مجده للآخرين. إنّ حياتنا ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي شهادة حيّة عن الإيمان، تُترجم إلى أفعال ملموسة.

 

عند تأمّلنا في هذه الحقيقة، ندرك أهمية الكلمة التي نطلقها يوميًا. الكلمة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي سلاح ذو حدين. قد تكون نورًا يشعّ في حياة الآخر، أو جرحًا يعمّق الظلام. بقدرتنا على استخدامها، نساهم في بناء حياة أو هدمها، في جلب السلام أو إثارة النزاع. لذلك، قبل أن نتلفّظ بأي كلمة، يجب أن نتوقّف ونسأل: ما هو الأثر الذي ستتركه كلمتنا؟ هل ستكون لمجد الله وخير الإنسان، أم لأذى النفوس وهلاكها؟

قد يبدو العالم مليئًا بالضجيج، بكلمات كثيرة تُطلق هنا وهناك، لكنها فارغة من النور والحقيقة. في وسط هذا الضجيج، نحن مدعوّون لنكون مختلفين، لنُطلق كلمات تُبني، تُشفي، وتزرع الأمل. كلماتنا يجب أن تكون انعكاسًا للمسيح المتجسد فينا، بحيث تُظهر مجده وتلمس قلوب الآخرين.

فلنفحص أنفسنا، لنتساءل بصدق: هل كلماتنا تقود إلى الخير أم إلى الشر؟ هل ننشر من خلالها نور الله أم نظلم الآخرين؟ وهل نعيش حضور الله في حياتنا اليومية أم نعيش في غفلة عنه؟ دعونا نستغل هذه اللحظة للتوبة، للعودة إلى الله، لنعطي لكلمته الأولوية في حياتنا، ولنجعلها الدليل الذي يقودنا في قراراتنا وأفعالنا.

كل يوم هو فرصة جديدة لنبدأ من جديد، لكن الأيام الأخيرة من السنة تحمل طابعًا خاصًا. إنها فرصة لنقف أمام الله، نعترف بتقصيراتنا، ونسأله القوة لنعيش العام الجديد بإخلاص أعمق. إذا كان العالم لم يعرفه ولم يقبله، فلنكن نحن أولئك الذين يعرفونه، يقبلونه، ويشهدون له في حياتهم اليومية.

بكلمة، يمكنك أن تصالح المتخاصمين، أن تبني جسورًا بين القلوب، أن تبدأ مشروع خلاص جديد. بكلمة، يمكنك أن تكون سببًا في شفاء قلب مجروح أو تقوية روح منهكة. فكّر جيدًا قبل أن تتكلم، لأن الكلمة التي تخرج منك تحمل إمّا الحياة أو الموت، إمّا البناء أو الهدم.

لنبدأ كلّ يوم بروح متجددة، بأمانة للربّ وحضوره في حياتنا. لنكن أداة بيده، ننقل سلامه، حبه، ونوره إلى كل من حولنا. ولنتذكّر دائمًا أنّ الكلمة ليست فقط ما نقوله، بل هي ما نعيشه. فلنجعل حياتنا بأسرها شهادة للمسيح الكلمة، ووسيلة لتمجيد اسمه على الدوام.

اترك تعليقاً