أحد بشارة العذراء مريم

You are currently viewing أحد بشارة العذراء مريم

في أحد بشارة العذراء مريم (لوقا 1: 26-38)، نتأمّل في لحظة استثنائية التقى فيها الزمن بالإلهيّ، وتحقّق وعد الخلاص بكلمة وقبول.
مع إنّنا نعيش في عالم يعجّ بالتحديات والمشاغل، تبقى البشارة حدثًا يدعونا لننظر إلى ما هو أبعد من العالم المادي، لنفهم عمق محبّة الله وعمله في حياتنا.

• السلام:
الملاك جبرائيل، القادم من السماء، يحمل رسالة تفيض بالفرح والسلام. هذا السلام، الذي ابتدأ مع مريم، لا يزال يتردد في قلوب المؤمنين اليوم.
لكنّ السلام ليس مجرد غياب للصراعات، بل هو حالة من الثقة الكاملة بأن الله حاضر وفاعل في حياتنا. فهل نتأمّل في عمق هذا السلام؟ وهل نسمح له بأن يخترق قلوبنا ويمتد إلى من حولنا؟
• ممتلئة نعمة:
مريم، الممتلئة نعمة، تقدم لنا صورة عن الإنسان الذي يعيش ممتلئًا من عطاء الله. نحن أيضًا مدعوون لنرى حياتنا من منظور النعمة، لا النقص فكلّ منّا يحمل بركات لا تحصى، لكننا قد ننشغل بالمفقود بدل أن نحتفل بالموجود. أن نكون ممتلئين نعمة يعني أن نكون ممتنين، وأن نعيش في وعي دائم لعطايا الله التي تشملنا كل يوم.

• الربّ معك:
إن كلمة “الرب معكِ” لا تتوقف عند مريم وحدها، بل تمتد إلينا نحن أيضًا فالله حاضر في حياتنا بطرق متعددة: من خلال صلاتنا، في كلمته المقدسة، في الأسرار، وفي الكنيسة التي تجمعنا كجسد واحد. هذا الحضور ليس شيئًا ننتظره فقط في الأوقات الصعبة، بل هو واقع دائم يُغذي إيماننا ويقودنا.

تأتي دعوة البشارة لتذكرنا بأننا جميعًا مباركون حين نكون أمناء لدعوتنا المسيحية فدعوتنا ليست مجرد شعارات، بل حياة تُترجم إيماننا إلى أفعال ملموسة. أن نعيش كمسيحيين يعني أن نكون أدوات سلام ومحبة في عالم يحتاج إليهما بشدة. كم من المرات نترك لمشيئة الله أن تحلّ محل رغباتنا الشخصية؟ كم من المرّات نسلّم قلوبنا إليه كما فعلت مريم قائلة: “ليكن لي بحسب قولك”؟
لكن أن نقبل هذه الدعوة ليس سهلاً دائمًا. في زمن مريم، كان الأمر يبدو مستحيلاً لفتاة شابة تواجه دعوة تتخطى كل توقعاتها. ومع ذلك، فإن استعدادها للقبول بتواضع وإيمان يقدم لنا مثالاً عن كيفية تجاوبنا مع دعوات الله، حتى عندما تبدو مستحيلة أو تفوق قدرتنا على الفهم.
هذا الإيمان لا ينفصل عن الحرية. الله لا يفرض مشيئته علينا، بل يدعونا لقبولها بحريتنا الكاملة. نحن أيضًا مدعوون لاختيار الله كل يوم، في قراراتنا الصغيرة والكبيرة. إن قبول مشيئته يعني أن نثق في حكمته ونؤمن بأن خططه لحياتنا هي الأفضل، حتى لو لم نفهمها في الحال.
معنى البشارة لا يتوقف عند مريم إذ نحن مدعوّون لنكون حاملي المسيح في عالمنا. كل منا يستطيع أن يجعل كلمة الله تتجسد في حياته، في أعماله، وفي محبته للآخرين. نحن نساهم في ولادة المسيح في قلوب من هم حولنا عندما ننقل إليهم محبته وفرحه وسلامه.
لكن هذا يتطلّب منّا أن نكون مستعدين لسماع كلمة الله، ليس فقط في صلواتنا، بل في حياتنا اليومية فالله يتحدث إلينا من خلال كلمته المقدسة، من خلال الأشخاص الذين نقابلهم، ومن خلال الظروف التي نعيشها. هل نفتح قلوبنا لنسمع صوته؟ أم أننا مشغولون جدًا بما حولنا لنلاحظ دعوته؟
البشارة ليست حدثًا تاريخيًا وحسب، بل هي دعوة دائمة لنا. دعوة لنعيش إيماننا بفرح وشجاعة، لنكون شهودًا لحب الله وعمله في العالم. تمامًا كما اختار الله مريم لتكون أمًا لكلمته، فإنه يختارنا نحن أيضًا لنكون شهودًا له في حياتنا اليومية.
فلنسأل أنفسنا: هل نعيش هذا الإيمان بعمق؟ هل نسمح له بأن يوجه حياتنا؟ هل نكون سبب بركة وسلام للآخرين؟ في نهاية المطاف، دعوة البشارة هي دعوة لكل واحد منا لنقول مع مريم: “ها أنا إبنك، فليكن لي بحسب قولك”!

اترك تعليقاً