أحد بشارة العذراء

الخوري نسيم قسطون

مقطع إنجيل هذا الأحد، أحد البشارة إلى العذراء مريم، هو، كما إنجيل الأحد الماضي، من إنجيل القدّيس لوقا (لوقا 1: 26-38) وهو يروي حدث اللقاء والحوار ما بين الملاك جبرائيل (ومعنى اسمه “قوّة الله”) وما بين العذراء مريم، الّذي يدعونا إلى قراءةٍ على مستويين:

 

  • المستوى اللاهوتيّ

أهميّة حدث البشارة إلى مريم، لاهوتيًّا، ترتكز إلى كونه الحدث الممهّد لتجسّد يسوع المسيح في تاريخنا.

في هذا الحدث، نجد تأكيدًا على أصل يسوع الإلهي لانّ المولود من مريم هو “ابن الله” وإشارةً إلى نسبه البشريّ بكونه سينتمي إلى نسل داود الملك، كيوسف مربّيه. ونستنتج من خلال رواية لوقا للحدث أنّ عناية الله بالبشريّة لا تنحصر بتاريخٍ معيّن أو بحدث معيّن بل هي فعل حضورٍ دائم ندعوه “تدبير الله الخلاصي” ويتجلّى في نصّ اليوم من خلال:

  • روح الله المرفرف في سفر التكوين (تكوين 1) والمظلّل للشعب في مرحلة الخروج (خروج 13 و 14) هو نفسه الّذي يظلّل مريم.
  • آدم ولد من رحم الأرض البريئة من الخطيئة، من دون أبٍ بشريّ… ويسوع ولد من رحم مريم البريئة من الخطيئة الأصليّة (عقيدة الحبل بها بلا دنس – 1846 م).
  • الله أوجد الكون بكلمته (ليكن … فكان / سفر التكوين) وهنا صنع الخلاص بكلمته المتجسّدة في مريم.
  • في سفر التكوين، عرض الله على الإنسان (آدم) أن يكون شريكه في السلطة والمجد ولكنّ الإنسان تمرّد من جراء أنانيّته… رغم ذلك، نرى الله هنا يجدّد عرضه للشراكة لإنسانٍ هو مريم الّتي عوّضت عن أنانيّة الإنسان الأوّل بطواعيّتها وتواضعها.

 

  • المستوى الرّوحيّ

حفظ نصّ اليوم للكنيسة القسم الأوّل من أقدم صلاة مريميّة ما زال المؤمنون ينهلون منها كنوزًا روحيًّا خاصّة إذا ما تأمّلوا حياتهم على ضوئها:

  • “السّلام عليك”: هل أشعر بالسّلام الدّاخلي؟ وإن شعرت بالحاجة إليه فأين أبحث عنه؟ هل أجد راحتي في الله أو أسعى إليه بعيدًا عنه؟!
  • “يا مملوءة نعمة”: هل أدرك جيّدًا ما أنعم الله به عليّ من النعم (صحّة، سعادة، عائلة، نجاح…؟ هل أقدّرها وأعتني بها وأطوّرها؟
  • “الربّ معك”: هل أشعر بأنّ الله ضيف ثقيل على حياتي؟ أو أسأله أن يرافقني في طريق الحياة؟ هل أنا ممّن يظنّون أن الله يتركهم في أوان الصعاب أو ممّن لديهم الرّجاء بحضوره الدّائم وإن كان هذا الحضور مستترًا؟

إنجيل اليوم، أيّها الإخوة، يشكّل وقفةٍ روحيّة نفحص فيها مدى جهوزيّة نفوسنا لتجديد شراكتها مع الله، فيدرك كلّ إنسانٍ نلتقيه أنّ “الربّ معنا” وهو الّذي “يملؤنا من نعمه” وبركاته وفي طليعتها السّلام ببعديه الدّاخليّ والخارجيّ والّذي نسأله أن يفيضه على كلّ من هو بحاجةٍ إليه، في هذه الأيّام وفي كلّ أوان، آمين.

اترك تعليقاً