الخوري نسيم قسطون:
يعود عيد التجديد اليهودي إلى عام 164 ق.م، عندما تم تحرير الهيكل واستعادته، ليصبح رمزًا لمقاومة الهيمنة الثقافية والدينية للمحتل اليوناني ودليلاً حيًّا على قوة الروحانية والإيمان ودورهما في تحفيز الناس على مقاومة الظلم ومواجهة التحديات.
وفي التاريخ المسيحي، واجه الإيمان تحديات مماثلة، خاصة من خلال أصوات تسعى لإبعاد المؤمنين عن الله. لقد دعا يسوع المسيح إلى حياة روحية متجددة تُمكِّن المؤمنين من مواجهة التشكيك الذي واجهه هو نفسه من قِبل بعض اليهود، وما زالت هذه التحديات تتكرر عبر العصور بأشكال مختلفة. فحتى أعمال يسوع الباهرة التي شهدها الكثيرون لم تكن كافية لإقناع القلوب والعقول المنغلقة، والتي لم تُفسح مجالاً للحقيقة ولم تسمح للروحانية أن تزدهر فيها.
اليوم، بعد ألفي سنة، يُقال إن الإيمان أصبح في أحيان كثيرة مجرد تقليد نمارسه دون وعي أو ارتباط حقيقي بالروح. يعاني الكثيرون من الفتور الروحي، الذي يكمن في الابتعاد عن الأصوات النقية والانجذاب للآراء البشرية التي تتماشى مع الأهواء والرغبات الشخصية. وهنا تظهر تساؤلات مهمة:
– هل نحن من خراف الرب التي تسمع صوته، أم أننا أضعنا الطريق في زحمة أصوات العالم؟
– هل نتابع المسيح بقلوب مخلصة، أم أن الإيمان لدينا تحول إلى تقليد فارغ؟
– كيف نعيش إيماننا في عالم اليوم؟
في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية، يبدو واضحًا أن الانتماء الروحي يواجه تحديات كبيرة، أبرزها خلط الدين بالأجندات السياسية، مما يؤدي إلى التعصب والأصولية. وفي خضم هذا التشويش، يصبح من الصعب التمييز بين الأصوات الصادقة وتلك التي تنطق بدافع المصالح الشخصية.
يظهر الفتور في الإيمان أيضًا من خلال الانصراف نحو التظاهر الديني والاستعراض، على حساب الجوهر، وهذا يتجلى في انجذاب الناس نحو شخصيات تدّعي التنبؤ أو الرؤية، عوضًا عن توجيه بوصلة الإيمان نحو الله، والإنصات لكلمته وفهم إرادته بصدق وعمق.
الإصغاء لكلمة الله يتطلب أكثر من مجرد قراءة سطحية للكتاب المقدس؛ فهو يستدعي علاقة مستمرة وراسخة مع المسيح وتطبيق تعاليمه في حياتنا اليومية. وكما قال الرب: “خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها، وهي تتبعني”. التحدي الحقيقي هو أن نكون من أولئك الذين يضعون كلمة الله في قلوبهم ويتبعونها بصدق، وهذا الإصغاء هو أساس التجدد الروحي الذي يقود إلى النمو الروحي داخل جماعة المؤمنين.
يروي لنا الإنجيل اليوم ) يو 10\ 22-42( حادثة محاولة اليهود رجم يسوع، ويدعونا للتأمل في أن الرجم ليس فقط بالحجارة، بل يشمل الكلمات الجارحة والتشكيك بالمصداقية، وهو ما نراه اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتعرض الناس للنقد والاتهام لأفعالهم أو حتى لمجرد اختلاف آرائهم. هذا الرجم قد يتعدى البشر ليطال الله نفسه، عندما نلومه على الصعاب والتحديات، وكأنه المسؤول عن أخطاء البشر وخطاياهم.
تجديد الذات والعلاقة بالله يتطلب منا وقفة تأملية عميقة حول كيفية عيش إيماننا. هل نضع الله في مقدمة أولوياتنا؟ متى كانت آخر مرة خصصنا فيها وقتًا للصلاة العميقة أو التأمل في الكتاب المقدس؟ من الضروري أيضًا تجديد علاقتنا بالإفخارستيا، فهذا السر العظيم يعبر عن استعدادنا لبناء علاقة دائمة مع الرب من خلال جسده ودمه وكلمته، لكي نحقق دعوتنا لنكون نورًا للعالم وملحًا للأرض.
إن هذه الأسئلة ليست فقط لفحص الروح، بل تذكير بأن حياتنا الروحية تحتاج إلى اهتمام دائم، مثلما نولي اهتمامًا لأمور حياتنا اليومية.
Share via:
