الخوري نسيم قسطون
عيد التجديد عيدٌ يهوديّ نشأ عام 164 ق.م. حين جدّد يهوذا المكابي الهيكل بعد تدنيسه وأعاد الذبائح اليومية، وعُدّ ذلك بداية “عيد التجديد اليهودي”، أو عيد الأنوار.”
في إنجيل هذا الأحد (يوحنا 10: 22-42)، يتوجّه الحاضرون في الهيكل إلى الربّ يسوع قائلين: “إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الـمَسِيح، فَقُلْهُ لَنَا صَرَاحَةً“!
بالطبع، لم يكن هدفهم الحقيقي الحصول على إجابة لتهدئة نفوسهم الحائرة، بل كان اقتناص كلمةٍ من كلماته لتشكّل أساس شكواهم ضدّه أو حجّة تمهّد لهم سبيل القضاء عليه، نظراً لما شكّله كلامه ومثاله من خطرٍ على سلطتهم الروحيّة وعلى ثرواتهم الماديّة.
لا يجب أن ننسى أنّ معاصري الربّ شهدوا الكثير من الأعمال العظيمة والآيات الكبيرة التي قام بها، إظهاراً لمجده ولحقيقة كيانه، كشفاءِ المرضى وإحياءِ الموتى وتكثيرِ الخبز. ومع ذلك، بقيت قلوبهم على قساوتها وعقولهم على انغلاقها وأفكارهم على تحجّرها والسبب الأساس هو عدم الإصغاء لكلام الربّ يسوع الّذي أكّد:” خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وأَنَا أَعْرِفُهَا، وهِي تَتْبَعُنِي” وأضاف: ” لـكِنَّكُم لا تُؤْمِنُون، لأَنَّكُم لَسْتُم مِنْ خِرَافِي“!
يؤكّد كلام الربّ هذا أنّ الإيمان ليس مجرّد يقين نظريّ وتأكيدٍ فلسفيّ أو برهانيّ لوجود الله ولو كان هذا المعيار لكان معاصرو الربّ من أهمّ “المؤمنين”!
الإيمان الحقيقيّ هو الإيمان الّذي يقبل الإنسان من خلال محبّة الله ويُترجمه في سيرته وسلوكه وإلّا أضحى مجرّد تنظير أو تمظهر وهو ما حذّر منه مراراً الربّ!
أمام عمق الأزمة الإيمانيّة التي يمرّ بها عصرنا، لا بدّ من أن نخضع ذواتنا لفحص ضميرٍ عميق حول مدى عمق علاقتنا بالربّ يسوع!
“خراف يسوع” تسمع صوته من خلال الكتاب المقدّس ومن خلال تقليد الكنيسة اللذين يشكّلان معاً ما ندعوه “وديعة الإيمان” وتحيا في الواقع ما تؤمن به داخليًّا!
فهل نحن من هذه الخراف؟! وهل نصغي حقّاً وبعمق إلى ما يقوله لنا الربّ؟! وهل نتبعه في حياتنا اليوميّة وسلوكنا؟!
أصواتٌ كثيرةٌ في أيّامنا تحاول جذبنا إليها وتحاول إقناعنا بأنّ الحياة منها وبها وربّما تتمكّن من إقناعنا احياناً!… يكفي أن قسماً كبيراً منّا أصبح أسير أقوال المنجّمين أو بعض المتزمّتين الّذين يكفّرون الدّاعين إلى الرّحمة ويبجّلون من يدعو إلى العنف!
كذلك، يشكلّ “الفتور” الّذي يصيب الكثير من المسيحيين خطراً كبيراً على الإيمان إذ يٌفقِد المؤمن البصيرة الّتي تؤهّله لتمييز واستشعار دور الربّ في حياته فيضحي من الصعب تصنيفه من ضمن خراف الربّ يسوع لا بل يمكن أن يصبحوا عائقاً، نظراً لسلوكه وأفكاره، أمام امتداد بشارة الخلاص والحياة بحكم إهماله للدور المناط به بأن يكون “ملح الأرض ونور العالم” (متى 5\13-14)!
لقد حاول اليهود في نصّ اليوم أن يرجموا الربّ يسوع بالحجارة. ولكن، في أيّامنا هذه، يرجم النّاس بعضهم بعضاً بأساليب جديدة، عبر الكلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيعيّبون بعضهم بعضاً بالأخطاء الحقيقيّة أو المفترضة…
وكثيراً ما يطال الرّجم الربّ نفسه حين نتّهمه بشتّى المصائب وننسب إليه ما هو براءٌ منه فحتّى خطايانا أحياناً نلومه عليها!
في هذا الأحد، تدعونا الكنيسة إلى تنقية نفوسنا وإلى التجّدد في الإصغاء إلى كلام الربّ وفي عيش الإيمان واقعياً وعملياً وهو ما سيقودنا إلى التجدّد داخل البيعة ممّا يقود إلى تجديدها أيضاً.
Share via:
