أحد تقديس البيعة

You are currently viewing أحد تقديس البيعة

الخوري نسيم قسطون:

في بداية السنة الطقسيّة، يوجّه إلينا الإنجيل (متى 16/13-20( سؤالاً جوهرياً: “مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟”.

هذا السؤال لا يطلب إجابة نظريّة، بل يفتح الباب أمام علاقة شخصيّة مع المسيح. فالمعرفة الحقيقيّة لا تقتصر على المعلومات التي نسمعها أو نقرأها، بل هي لقاء حيٌّ يلامس أعماق القلب ويغيّر مسار الحياة.

في مشهد قيصريّة فيلبّس، حيث تتعايش ثقافات متنوّعة، يعلن يسوع هويّته كمسيحٍ وابن الله. هذا الإعلان في مكانٍ يضمّ من نبذهم المجتمع يذكّرنا بأنّ الخلاص شامل، موجّهٌ إلى كلّ إنسان بغضّ النظر عن خلفيّته. وهنا تكمن دعوة كلّ منّا إلى القداسة، لا كهدف بعيد، بل كمسيرة يوميّة نعيشها في صدق مع الذات ومع الله.

كثيراً ما نعيش تحت وطأة توقّعات الآخرين، فنبني صورتنا عن أنفسنا وفقاً لمعايير العالم، متجاهلين دعوة الله الفريدة لكلّ منّا. لكنّ الإيمان الحقيقيّ يحرّرنا من هذه القيود، إذ يذكّرنا بأنّنا محبوبون كما نحن، ومدعوّون إلى استثمار العطايا التي منحنا إيّاها الربّ. فكلّ واحد منّا يحمل “مفاتيح” خاصّة – في العائلة، العمل، أو المجتمع – وهي مسؤوليّة وأمانة ندعى إلى إدارتها بحكمة ومحبّة.

إنّ تجديد علاقتنا بالله يتطلّب منا أن ننظر إلى داخلنا بصدق: هل إيماننا مبنيّ على عادةٍ أو تقليد، أم على اختبارٍ حيويّ يملأ حياتنا؟ هناك مستويات متعدّدة للعلاقة مع الله: منها السطحيّ الذي يقتصر على المظاهر، والمتوسّط الذي يلتزم بالطقوس من دون أن يتحوّل إلى حياة، والعميق الذي ينبع من محبّة صادقة وتوقٍ إلى الاتّحاد بالرّب.

 

عندما نعيش الإيمان بعمق، نصبح كبطرس، حجارة حيّة في بناء الكنيسة. ليست الكنيسة مجرد مبنى، بل هي جماعة المؤمنين التي تحمل رسالة المحبّة والخلاص للعالم. ومن خلال حياتنا اليوميّة – في البيت، العمل، والعلاقات – نُظهر وجه المسيح للآخرين، فنكون أدواتٍ لنشر نوره في عالم يحتاج إلى الأمل.

في مسيرة القداسة، لا مكان للازدواجيّة أو التظاهر. فكلّما كنّا صادقين مع أنفسنا، اقتربنا من الله وأصبحنا أكثر قدرة على خدمة الآخرين. هذه المسيرة تتطلّب منا أن نعيد النظر في أولويّاتنا، وأن نفتح قلوبنا لعمل الروح القدس، الذي يجدّدنا ويقوّينا.

في النهاية، يدعونا الإنجيل إلى عدم إخفاء إيماننا، بل إلى إعلانه بشجاعة. فنحن أبناء القيامة، مدعوّون لنكون رسل سلام ومحبّة في محيطنا. لنبدأ هذه السنة الطقسيّة بقلوب متجدّدة، عازمين على أن نجعل من كلّ يوم فرصةً لنجسّد محبة الله، واثقين بأنّ عملاً صغيراً بإيمان يمكن أن يحقّق تغييراً كبيراً.

اترك تعليقاً