أحد شفاء المخلّع

You are currently viewing أحد شفاء المخلّع

الخوري نسيم قسطون:

في عمق التجربة الإنسانية، يجد كل فرد نفسه أمام تحدٍّ داخلي لا يمكن الهروب منه: التخلّع الروحي الذي يجسّد الانكسار والضعف البشري. قد يكون ذلك نتيجة ضغوط الحياة أو ثقل الخطايا أو حتى الحيرة التي تصيبنا عند اتخاذ القرارات. في هذه اللحظات، نشعر وكأن صوتنا يُختنق ولا نملك سوى الصمت، ربما بسبب اليأس أو لأننا لم ندرك بعد أننا بحاجة إلى شفاء عميق. الله يعرف ما نعانيه، لكنه لن يتدخل إذا كنّا متمسكين بجراحاتنا أو مستسلمين لها.

 

الشفاء الجسدي يأسر العيون ويثير الإعجاب، لكنه ليس دائمًا الأهم. هناك شفاء آخر يتمثل في التوبة الداخلية، وهو أثمن بكثير لأنه يفتح الباب للحياة الأبدية. فالجسد مهما طال عمره سينتهي يومًا ما، لكن الروح التي تلتجئ إلى الله تحظى بالسلام الأبدي. هنا يظهر دور الجماعة المؤمنة، تلك التي تتخطى قسوة القلب وصلابته لتحمل الإنسان المنهك إلى المسيح. إنها تعكس نور الله كما تنير النجوم السماء، وتساعد من خلال إيمانها على تقريب الآخرين من رحمة الله ومحبته.

 

الخطيئة هي السبب الرئيسي للتخلّع الروحي. إنها تمزق الإنسان داخليًا وتتركه أسيرًا للأهواء المتضاربة، مما يجعله عاجزًا عن تحقيق السلام الداخلي. بينما يبدو التخلّع الجسدي عائقًا واضحًا، إلا أن التخلّع الناجم عن الخطيئة أكثر خطورة لأنه يقود الشخص إلى دوامة لا نهاية لها. التوبة إذًا هي المفتاح لإعادة الاستقرار الروحي، فهي تعيد للإنسان بوصلته الأخلاقية وتوجهه نحو الله، ميناء الأمان الوحيد.

 

قد يبدو الأمر محبطًا عندما نشعر بأننا وحدنا في معاناتنا، لكن إنجيل اليوم (مرقس 2: 1-12) يذكرنا بأن هناك دائمًا أشخاص مثل الرجال الأربعة الذين حملوا المخلّع إلى يسوع. هؤلاء لم يكتفوا بالدعاء، بل تحركوا بحبّ وإيمان ليتجاوزوا العقبات ويصلوا إلى الهدف. نحن مدعوون لأن نكون مثلهم، وأن نمد أيدينا لكل مَن يحتاج إلينا. سواء كان ذلك عبر الكلمة الطيبة، أو الصلاة، أو العمل الخيري، فإن كل جهد صغير يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا في حياة الآخرين.

لكن، هل نحن مستعدون لأن نسمح للمسيح بأن يدخل حياتنا ويشفينا؟ أم أننا نغلق أبواب قلوبنا خوفًا أو استسلامًا للضعف؟ الشيطان يسعى دائمًا لإقناعنا بأن خطايانا أكبر من قدرة الله على الغفران، لكن هذا مجرد كذب. الله ينتظر فقط أن نقرّب إليه تخلّعنا بإرادتنا الحرة. حينها، سيمنحنا الشفاء الكامل ويحررنا من سجن الذنب واليأس.

إنجيل اليوم يدعونا أيضًا إلى التفكير في أدوارنا الشخصية. هل نقف متفرجين بينما يغرق الآخرون في آلامهم؟ أم نكون كالرجل الرابع الذي لم يتردد في ابتكار حلول جديدة لتجاوز الحشد والوصول إلى المسيح؟ يجب أن نسأل أنفسنا: هل نعيش كمسيحيين حقيقيين يعملون بمحبة وخدمة، أم نكتفي بالواجبات الشكلية دون أن نتأثر حقًا؟

في نهاية المطاف، يدعونا الله إلى أن نحمل بعضنا البعض كما حمل الرجال الأربعة المخلّع. علينا أن نكون قادرين على اختراق “سطوح” القلوب الصلبة بنور الإيمان والرجاء. يجب أن نكون قلوبنا مشتعلة بالنار لله وللآخرين، وألا ندع أحدًا يبقى وحيدًا في صمته ومعاناته. الشفاء الروحي هو أعظم نعمة يمكن أن نحصل عليها، وهو متاح للجميع إذا ما قبلنا تسليم أنفسنا بين يدي الله.

اترك تعليقاً