الخوري نسيم قسطون:
من منّا لا يعاني من نزيفٌ في حياته؟!
ربّما جسدنا لا ينزف ولكن كلّ واحدٍ منّا لديه نزفٌ في روحه، روحياً أو عاطفياً أو إنسانيّاً فجراح الدنيا كثيرة وهي لا تميّز بين كبيرٍ وصغير!
يتداخل حَدَثان في إنجيل هذا الأحد الثالث من زمن الصوم (لوقا 8 :40 – 56) وهما إحياء إبنة يائيرس (سنّها 12 عامًا) وشفاء المنزوفة (مريضة منذ 12 عامًا) وكأنّهما تمثّلان العهدين: القديم والجديد!
النزف طبعاً مرضٌ لا يقلّ خطراً عن البرص (الأحد الثاني)، فالدم بالنسبة للبيئة والتقليد السائدين آنذاك هو الحياة، وبالتالي نزف الدم هو نزفٌ للحياة التي تفقد ببطءٍ، وبفقدانها تنجّس صاحبها وكلّ ما يلمسه أو من يلمسه من أشياء أو أشخاص.
المرأة النّازفة تمثّل شعب العهد القديم الّذي “نزفت” روحانيّته ونضبت صلاته فجاء الربّ وضخّ الرّوح فيه من جديد في قلب كنيسة (الصبيّة) ستضطهد وتشقى، ولكنّه يقيمها من موت الخوف والإحباط واليأس في كلّ مرّة تتغلّب على ذاتها بالصلاة والرّجاء والغفران والمحبّة.
هذه النازفة آمنت ليس بكلام الرب فحسب بل أكثر من ذلك بأنّ لمسة منه قادرةٌ على شفائها واستطاعت أن تقتنص الحدث وتسلط الأضواء عليها، فكان من المفترض أن يكون الحدث هو شفاء ابنة يائيروس، رئيس المجمع، على قدر ما كان للأخير من مكانةٍ، ولكن جاءت النازفة المنبوذة لتأخذ الشفاء والحدث بعدما استنفذت كلّ العلاجات البشريّة الممكنة.
الملاحظ في إنجيل اليوم أنّ الكلّ كان ينتظر يسوع ليأتي ولكن لأهدافٍ مختلفة!
بالطبع كان يتواجد فرّيسيّون أو كتبة أو سواهم ممّن كانوا يراقبون الربّ وينتظرون إصطياد خطأ يدينونه به!
أمّا يائيرس والمرأة فإنتظرا يسوع راجين الشفاء!
وهنا نسأل ذواتنا، ونحن في قلب مسيرة الصوم، عمّا نريده من يسوع؟
ويمكننا أيضًا أن نسأل ذواتنا: أيّ يسوع نريد؟!
فكثيرون يريدون يسوع إلهًا يلبّي طلباتهم دون أن يلتزموا تجاهه بشيء فيما نجد في نصّنا نموذجين لمؤمنين يدخلون في علاقة دائمة مع الربّ:
- فيائيرس “سجد” و”إندهش” وهما فعلان يدلّلان على إدراكٍ لألوهيّة الربّ، إذ أنّ يائيرس، رئيس مجمع يهوديّ ويعلم أنّ السجود لا يحقّ إلّا لله وحده!
- أمّا المنزوفة فأظهرت إيمانًا كبيرًا بمجرّد يقينها بأنّ مجرد لمسها للربّ قد يعطيها الشفاء وبعدها إرتمت هي أيضًا عند قدميه وشهدت لما حدث معها!
في حياتنا اليوميّة، يمرّ الربّ أمامنا مرّاتٍ عديدة فالمطلوب أن نتشجّع فنتقرّب إليه ونلمسه لتغيّرنا نعمته ولتشفينا من نزفنا الرّوحيّ، على مثال شفاء المنزوفة، أو من موتنا عنه، على مثال شفاء الصبيّة!
دواؤنا إذاً هو العودة إلى الله الشافي الّذي يحرّر قلبنا وذهننا من رواسب ما سبق وتنقلنا من مستوى الغرق في همّ الماضي إلى مستوى قلوبٍ منفتحة على ما يقدّمه لنا “اليوم” من فرص للخلاص!
تعالوا لنعود إلى الربّ ولنلمسه بتوبتنا فيشفينا من نزفنا ويقيمنا شبابًا في إيماننا فنعود إلى حياتنا بروح جديد أساسه قربنا من الربّ على الدوام!
Share via:
