الخوري نسيم قسطون
وُلِدَ يوحَنّا لوالِدَين عَجوزَين، لا سِيَّما زَكَرِيّا. فأَرادَ الجيرانُ وَالأَنسِباء أَن يُعطوا الوَلَدَ اسمَ أبيهِ، لتخليدِ ذكرى هذا العَجوزِ القريبِ مِن قَبرِه، عِلماً أنَّ التَقليدَ المُستَمِرّ حتّى أَيامِنا يَقضي بِإِعطاءِ الوَلَدِ اسمَ جدِّهِ… لَكِنَّ زَكَريّا وأليصابات فضَّلا أَن يُعطيا الصبي اسمَ يوحنّا، وَهُوَ الاسمُ الذي اختارَهُ لَهُ الرّب ومَعناه: “الله تَحَنَّن”، وَهوَ العلامَة أَنَّ الوَلَدَ عطيَّةُ خيرٍ وَبَرَكة مِنَ الرّب، جَعَلَت الوالدَ الأَبكَم ينطُقُ والأمَّ العاقِر تَلِد والصَّبيَ المَولُود يحمُلُ إسماً غيرَ مَألوف يَشهَدُ لمَحَبَّةِ اللهِ وَأَمانَتِهِ.
كُلُّ وِلادَةٍ هِيَ حَدَثٌ مُنتَظَر، يَزرَعُ الفَرَحَ لدى الأهلِ والأصدقاءِ والمعارِف. فالوِلادَةُ علامَةٌ لِلحَيَاة الّتي هي أوّلاً عَطِيَّةٌ مِنَ الله وثانياً تجاوُبٌ مِنَ الإنسانِ الّذي يَضَعُ كُلَّ إِمكاناتِهِ في تَصَرُّفِ الرّب.
فرح زكريا وأليصابات -“العجوزان”- وفرح معهما جيرانهما وأحباؤهما حين علموا بولادة يوحنا بعد سنينٍ العقم والانتظار!
فخبر ولادة الطفل يزرع (أو الأفضل القول كان يزرع؟!) الفرح والحبور في العائلة ولو كان هذا الآتي الرقم 10 أو 16 أو 20 أو … وكلّ عائلاتنا قديماً كانت كبيرة العدد، فكيف إذا كان البكر ووليّ العهد الّذي طال “تشريفه”؟!
الوَلَدُ – العَطِيَّة يَتَطَلَّبُ إِهتِماماً خاصّاً على المُستَوَياتِ الصِحِيَّة والغِذائِيَّة، وَلَكِن أيضاً على المُستَوَياتِ الثَقافِيَّة وخاصَّةً الرُّوحِيَّة.
ولكن، وكما يظهر من خلال هذا النصّ وما سبقه من أحداث، فإنّ هذا الطفل حمل منذ البداية علاماتٍ خاصّة من البشارة به إلى ولادته فتسميته…
نجد من خلال ما قرأنا بأنّ والديه قد تجاوبا مع ما أمرهما الربّ ولم يتصرّفا بأنانيّة أو بعصبيّة المالك لما يملك!
هذا ما ورثته الكنيسة في تعليمها فاعتبرت على الدوام بأنّ الطفل هبةٌ من الله وليس ملكيّة لوالديه أو لسواهم… له كيانه وله شخصه وشخصيّته منذ تكوينه وحتى نهاية حياته الارضيّة بالموت!
قيل: ” نَحنُ لا نَرِثُ أرضَ آبائِنا وإنّما نَستعيرُ أرضَ أولادِنا”.
إن فَكَّرنا بِهَذا المَنطِق، يَجِب أن نُعيدَ النَظَر في طَريقَةِ تعامُلِنا مَعَ أَولادِنا:
- بَدَل أَن نُعطيهِم الحياة فقط، لِنُعَلِّمهُم كَيفَ يَعيشون،
- بَدَل أن نَورِثهُم الأراضي الفانيَة فقط، لِنُعَلِّمهُم القِيَم التي تُكسِبُهُم الوَطَنَ الأَبَديّ،
- بَدَلَ أَن نورِثَهُم الاسم والعائِلَة فقط، لِنَجعَلهُم فخورين بما يَشهَدونَ مِن تصرُّفاتنا،
- بَدَلَ إرثِ الخلافات الّذي نترُكُهُ لَهُم، لِنَجعَلهُم يُدرِكونَ أَنَّ الحياةٌ قصيرةٌ جِدّاً لِنُمضِيَها في خلافاتٍ تَبقى سَخيفَةً أمامَ حقيقَةِ المَوتِ والحَياةِ.
أتى يوحَنّا لِيَشهَدَ لِحمَلِ الله الّذي سَيحمُلُ السلامَ الحَقيقيَّ إلى العالَم. وَنَحنُ بِدَورِنا مَدعوونَ لنُجَدِّدَ، مَعَ كُلِّ وِلادَةٍ، إيماننا بالحَياةِ وبِقِيَمِ العائِلَة الّتي بَدَأَت تَتَعرَّضُ للاهتزاز، مَعَ ما يَشهَدُهُ عالَمُ اليوم مِن اعتِداءاتٍ وانتِهاكاتٍ لأَبسَطِ حُقوقِ الإنسان: الإجهاض، مُحاولات الاستنساخ البَشَريّ، قَتلِ الأبرياء…
جَمَعَ يوحنا بِوِلادَتِهِ الأَقرِباء والأَبعَدين، لنُصَلِّ لتَعودَ عائِلاتُنا، خاصَّةً المُفَكَّكَة، وَتَجتَمِعَ مِن جَديد بِنِعمَةِ طِفلِ المَغارَةِ الآتي.
Share via: