الخوري نسيم قسطون:
كثيرون منّا يسهل عليهم أن يضحّوا بالله في سبيل مبتغاهم!
يضحّون به حالما يشعرون بأن وجوده يعرقلهم أو يحرّك ضميرهم!
وأحيانًا يضحّون به لأسباب أسخف كتوقيت مسلسلهم أو مدّة نومهم أو ما شابه…
فالله هو الحلقة الأضعف لدينا ولذلك نتناساه أو نقتله حين لا نكون بحاجةٍ إليه فيما نهرع إليه ما أن “تبخعنا” الدنيا…
أليس الله جزءًا من أكسسواراتنا، كشجرة الميلاد أو شجرة الفصح، نستخدمه أو نأتي إليه في المناسبات أو الأعياد فيما نضعه جانبًا في معظم الأيّام، في مستودع الذكريات أو النسيان؟!
يخبرنا إنجيل اليوم (يوحنا 11: 47-54) أنّ غيرة الأحبار من الربّ يسوع أوصلتهم إلى اتّخاذ قرارٍ التخلّص منه…
ولكن، كم كان غبيّاً من أخذ قرار قتل يسوع!
فيوم قرّر قتل يسوع ظنّ أنّه يقتل الله ولكن من مات في شخص يسوع هو الإنسان القديم الّذي لم يفهم أنّ الله وحده هو الحيّ…
لقد “انتحر” الإنسان القديم يوم علّق يسوع على الصليب ودُفن في عتمة قبره للأزل لأنّه من إشعاع نور قيامة يسوع وُلِدَ الإنسان الجديد وعاش الإنسان من جديد ليغرف من محبّة الله وليسقي إخوته منها…
هذا القرار الكبير، المبني على النوايا السيّئة، مهّد لحدث الخلاص بالآلام فالموت والقيامة…
هذا ما حاول مار بولس تلخيصه في رسالته إلى أهل روما (الفصل 8، الآية 28) حين قال: “يا إخوتي، نحن نعلم أنّ الله يعمل كلّ شيء لخير الّذين يحبّونه”!
الله، بقدرته وبحكمته، حوّل جملة قيافا، رئيس الكهنة إلى نبوءة بالخلاص الشامل بكون الربّ يسوع “سَيَمُوتُ فِدَى الأُمَّة. ولَيْسَ فِدَى الأُمَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ أَيْضًا لِيَجْمَعَ في وَاحِدٍ أَوْلادَ اللهِ المُشَتَّتِين”!
قيافا، عظيم الأحبار، نموذجٌ لمن يعلم دون أن يؤمن!
لقد “تنبأ” قيافا بموت يسوع “فِدَى الأُمَّة” ولكنّه لم يرتقِ بمعرفته هذه إلى درجة الإيمان بأنّ هذا الفداء يشمله أيضاً مع كلّ من حكموا على يسوع الإنسان بالموت دون أن يدركوا بأنّه الله الّذي لا يقضي عليه الموت أو الألم كما كانوا يظنّون أو يتأمّلون!
اليوم، يسألك الإنجيل:
- هل تريد أن تكون شريكًا في قتل يسوع أو ستعمد إلى تغيير نهج حياتك فتقدّر ما قام به من أجلك ومن اجل خلاصك؟!
- هل ستضحّي بيسوع أو من اجل يسوع وبماذا؟!
- هل ستجتمع من جديد مع أبناء الله فيخفّ التشتّت أو ستكون من المساهمين في التفرقة؟!
في قلب أسبوع الآلام، نحن مدعوّون كي نبني علاقة دائمة مع الربّ لا فولكلورًا موسميًّا سينتهي بنهاية هذا الأسبوع فتأتي “السكرة” لتلغي “فكرة” أنّ العلاقة مع الله ليست واجبًا ولا فرضًا بل تعبيرًا عن المحبّة المتبادلة بين قلبنا وقلبه!
أنظروا إلى الفارق بيننا وبين الله – المحبّة:
- هو ضحّى بذاته من اجلنا فيما نحن نضحّي به من أجلنا!
- هو يسامحنا حين نخطئ فيما نحن نضعه دائمًا في قفص الاتّهام!
- هو يعطينا ذاته كلّها في الكلمة والقربان بينما نحاسبه نحن بالدقيقة والثانية حين نأتي إليه.
- هو دائمًا مستعدّ كي يصغي إلينا فيما نحن نصغي إليه حين يروق لنا و”نطنّش” حين لا يناسبنا كلامه.
فإلى متى سنستمرّ بالتضحية بهذا الله؟
إلى متى سنستمرّ بالتضحية بهذه المحبّة المطلقة، التي على كلّ واحدٍ منّا أن يعي ما قامت به “من أجلنا ومن خلاصنا” وما زالت مستمرّة بالقيام به في حياتنا وحياة من هم حولنا!
لا يكفي أن نعرف عن آلام الربّ ما لم تلمس محبّته أعماق روحنا التي ستبقى أسيرة أفكارنا الذّاتية من دون الحريّة التي يقدّمها لنا الربّ عبر وضع رجائنا فيه!
أسبوع آلام مبارك!
Share via: