مكرم غصوب-
كنّا كثير صغار، لمّا بالشاويه الضيعه اللي حدنا يبقى الملعب القديم مشعشع لآخر الليل، كل البوسطات تجي بطبل وزمر ونصّها يفلّ ومش طالع حسه، البطوله بالفوليبال (كرة الطائرة) ربح وخساره، بينما الطفوله، طفولتنا كانت كلّها ربح… نحنا اللي كنا كتير صغار، كنا نستغل فرصة المباريات لننزل نلعب غميضه، بالعتمه بين المقابر، تحت ملعب الكبار… وبذكر كان فيه مقبره مفتوحه نفوت نتخبا فيها لما يلقطنا اللي مغمض… عملنا المقابر ملعبنا وضو الطفوله المشعشع بقلوبنا كان يبدد عتمة الليل وعتمة الموت…
ما بنكر إنّه بإيام الحرب، كان الليل أصعب من النهار بالنسبه إلي، لأن كنت خاف على إمّي من القنص هيي وعم تشتغل بالمطبخ المكشوف عكسروان وإضهر من ملجأ العقد وقلها رح ضلّ معك لتفوتي أو منموت سوا…
كان عمري شي 10 سنين لمّا مات جدّي اللي عمره شي 115 سنه، كنّا نقلنا من الملجأ عالبيت اللي عمره جدي بشبابه، بذكّر وعانا بيي بعد نص الليل، كانت التريات مشعشعه وكلّ العيله مجموعه، فتنا شفنا جدّي لآخر مرّه… ولأوّل مرّه بلّشت خاف من العتمه… قبلها كنت اسأل عن الموت بس خيال الطفوله يلهيني… قبلها كنت روح العب بعزّ الليل بالمقابر وكان الموت بعيد… هيدي المرّه إجا الموت لعنّا والبيت كان مشعشع… ومن يومها صرت خاف ضلّ وحدي بالعتمه، وبطلت استرجي العب بالمقابر مع اصحابي، وضلّني بالملعب عمبتفرج عالمباراة. وجدّي اللي كنت حبه كتير صرت خاف منّه واذا شي نهار بدي ارجع وحدي بالليل عالبيت، صير اركض وافكاري تلحقني متل الاشباح… صرت خاف من سؤالي وخيالي… وما كان ولا ضو يبدد خوفي الا الضو اللي طالع من قلب امي وقلب بيي… هيدا الضو الوحيد اللي كان اقوى من العتمه.
بهالفتره كنت بعدني بآمن عطريقة اغلب الناس، وجرّبت لبدد خوفي، روح واجهه، رحت حضرت محاضرات بالكنيسه عن طرد الأرواح اللي كانت بعدها دارجه وصرت احضر افلام رعب.. بس ما كنت خاف إلاّ من سؤالي وخيالي.
ما كنت عارف لوين آخدينّي سؤالي وخيالي، بس ضلّيت ماشي وراهن، وشوي شوي بطلت خاف من العتمه ولا من الارواح، بس بلشت خاف من شي أكبر، من الظلام!
بس بلّشت المعاني تسقط بحياتي، معنى ورا التاني، صارت تسوّد الدني بوجّي ووحده الضوّ اللي كان طالع من قلب إمّي وقلب بيّ كان يخليني أصمد…
فتشت على مصدر هالضو، اكتشفت إنه الأمومه النيّه اللي عند امّي اللي بتشبه أمومة الأرض، وعلاقتها البريئه البسيطه بيسوع الناصري، ومثالية أنطون سعاده عند بيي هنّي المناره والمعنى الوحيد اللي ما سقط بحياتي.
كلّ هالفتره، كان الموت بعيد وقريب…متل اللي عم نلعب غميضه أنا وياه وكلً هالدني مقابر معتمه والطفوله بطلت تضوي…كنت عم استعد للمواجهه لما يخلص عد ويفتح عيونو بس ما كانت عارف شو رح يكون مصيري بهالمواجهه… ولما مات بيي، سقطت آخر المعاني بحياتي، سقط معنى الحياة، وكان على وشك يعلن انتصاره الموت، بس قلب بيي ضوا بقلبي، وقفت وأنشدت نشيد العدم، وتحدّيته بحقيقته، وقررت اخلق أنا المعاني، معتمد على سؤالي وخيالي وعالضو اللي صرت فتّش عليه بقلوب كلّ الناس ولو جواتي معتّم…
