أَحَد زيارة أمّنا العَذراء لنسيبتها أليصابات

الخوري نسيم قسطون

 في هذا الأحد تَدعُونا الكَنِيسَةُ لِلتأمُّلِ في زِيارَةِ العَذراء مريم لِنَسيبَتِها أليصابات (لوقا1: 39-45)، حينَ تَمَّ لِقاءُ العَهدين: القَديم ويُمثِّلُهُ يوحنّا الَّذي “يَسيرُ أَمامَ الرَّب”، ويَسوع المُخلِّصُ “الآتي باسمِ الرَّب”.

أمامنا امرأَتان، عاقِرٌ وعَذراء، تَنتَظِران مَولودَين مُمَيَّزَين: أَحَدُهُما، يوحنّا، وَهُوَ إِنسان، كَرِّسَ نَفسَهُ كُلّياً لله؛ والآخَر، يَسوع، وَهوَ الإِلَه، كَرَّسَ نَفسَهُ كُلّياً للإنسان. وكِلاهُما وُلِدا بِتَدَخُّلٍ إِلَهيّ مُباشَر جَعَلَ السماء تَفتَحُ أَبوابَها مِن جَديد يومَ جاء الملاكُ حاملاً البُشرى بيوحنّا (أَحَد بشارة زكريّا)، وَأَبقى أَبوابَها مَفتُوحَةً لِلأَبَد يَومَ حَمَلَ بُشرى الخلاصِ بيَسوع المَسيح للإنسانيَّة التي مثَّلَتها مريم العذراء (أَحَد بِشارة العذراء).

في هذا النصّ، نجد الأساس الكتابيّ واللاهوتي لمجمع أفسس في اللقب الّذي توجّهت به إليصابات إلى مريم العذراء:”أمّ ربّي”.

فمجمع أفسس ألمجمع المسكوني الثالث، الّذي عقد في سنة 431م، بدعوة من امبراطور الشرق ثيودوسيوس الثاني وامبراطور الغرب فالنتينيانوس الثالث بهدف حل المشكلة التي قامت بسبب تعليم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، الذي رفض لقب “أم الله”، وذلك بسبب فكرته الكريستولوجية التي تركّز على كمال طبيعة المسيح البشرية لدرجة الفصل بينها وبين الطبيعة الإلهية؛ لهذا كان يدعو مريم “أم المسيح”، وكان يعتبرها أم يسوع الإنسان وليست أم يسوع الإله وهذا الاعتقاد لم يكن موافقاً لتعليم الكنيسة القائل بوحدة شخص يسوع الإله ـ الإنسان. لذا، تحت قيادة كيرلس أسقف الإسكندرية وبتأييد من البابا سيليستينوس الأوَّل، عُقِدَ المجمع، فنحّى نسطوريوس من منصبه وأدان تعليمَه، وأكد وحدة شخص يسوع المسيح ذات الطبيعتين الإلهية والإنسانية وبالتالي أكد صحة لقب “أم الله” المنسوب إلى مريم والذي كان حاضراً مِن قبل في تقوى شعب الله.

على المستويين الرّوحي والعمليّ، نجد بأنّ أمّنا مريم لَم تَهتَم بما ستُقدِّمُهُ لنَسيبتِها مِنَ الهَدايا، بَل اكتَفَت بِأَن تَحمِلَ إِليَها مَحَبَّتَها وروحَ الخِدمَةِ المجانيَّة لَدَيها، وأَهَم مِن ذَلِكَ يسوع السَّاكِنِ في أَحشَائِها. يَدفَعُنا هَذا المَوقِف لِلتَأَمُّل في حَيَاتِنَا بِما نَحمُلُهُ مَعَنا أَثناءَ زِيارَاتِنا أَو لِقاءَاتِنا. أَلَسنا نهتَمُّ كَثيراً بالمَظاهِر على حِسابِ الجَوهَر؟

في مُعظَمِ الأَحيان، عندما نُبَشَّرُ بِخَبَرٍ مُفرِح: ولادة، معمودية، زواج، نجاح…، نُفَكِّرُ أوَّلاً بالهَديّة أو بِما سَنُقَدِّمُهُ لأنَّهُ “إلُن علَينا” أو “بادِلني لبادلَك”. وننسى أَنَّ الأَهَم هُوَ أَن نَكونَ إلى جانِبِ أصحابِ المُناسبات، “نَفرَحُ لِفَرَحِهِم ونَحزَنُ لِحُزنِهِم”، كما يُعلِّمُنا مار بولُس في إحدى رسائِلِه.

فَكَثيراً ما يَكونُ مَوقِفٌ صَغير أو كَلِمَةٌ أو ابتِسامَةٌ كَفيلاً بالتَعبيرِ أكثَرَ مِن أثمَنِ الهدايا، كما فَعَلَ الرُّعاة يومَ لَم يسمَح لَهُم فَقرُهُم أَن يحضروا الهدايا لمَولودِ المَغارَة، فقدَّموا ذواتِهِم الَّتي كانَت أهَمَّ ما يملُكوه.

هذا ما فَعَلَتهُ مريَم عندما قدِمَت إلى بيتِ زكريّا حاملَةً أثمَنَ هديَّةٍ مُمكن أن تُقَدَّم: يَسوع المسيح، ثمرةُ أحشائِها.

وَمِن هُنا السؤال: هل نَعرِفَ حقّاً ماذا نَحمُلُ في أحشائِنا (الرُوحِيَّة طَبعاً): محبّة؟ مغفرة؟ حسد؟ ضغينة؟ هَل نَعي حقّاً أنَّنا مدعوّون لنَحمُل الله إلى جَميعِ مَن نَلتَقيهِم ونَعِيشُ مَعَهُم؟ هل لاحظنا أنّنا نَتَحوَّلُ إلى بَيتِ قُربانٍ مُتَجَوِّل، على مِثالِ مريم العذراء، كُلَّ مَرَّةٍ نَتَناوَلُ فيها جَسَدَ ابنِ اللهِ وَدَمِهِ في سِرِّ الافخارستيّا؟

أسئِلَةٌ كثيرة بِرَسمِ الجواب. وَمَعَ ذَلِك، تَدعُونا الكنيسة اليوم لنتذكَّرَ، على الدّوام، أَنّنا نَحمِلُ يسوع في داخِلِنا مُنذُ المَعمودِيَّة، وَيَتَجَدَّدُ هذا الحُضورُ فينا مَعَ كُلِّ مناوَلَةٍ نتَّخِذُ فيها المَسيح ” زاداً وعُربوناً للحياة”.

اترك تعليقاً