إيبلا، مدينة أثرية سورية قديمة، ومملكة مزدهرة وقوية نشأت في شمال غرب سورية خلال منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. امتدّ نفوذها إلى رقعة واسعة من الأراضي، شملت هضبة الأناضول شمالًا، وشبه جزيرة سيناء جنوبًا، ووادي الفرات شرقًا، وساحل البحر المتوسط غربًا.
أقامت مملكة إيبلا علاقات تجارية ودبلوماسية متينة مع الدول والممالك المجاورة، من أبرزها مصر وبلاد الرافدين، إضافة إلى الممالك السورية الأخرى. وقد كشفت بعثة أثرية إيطالية من جامعة روما، بقيادة عالم الآثار البروفيسور باولو ماتييه (Paolo Matthiae)، عن موقع المدينة الأثرية في تل مرديخ بمحافظة إدلب السورية.
كنوز من الطين تحكي التاريخ
بدأت الحفريات في تل مرديخ عام 1964 بقيادة ماتييه، وبمشاركة عالم الآثار الدكتور جيوفاني بتيناتو (Giovanni Pettinato)، وأسفرت عن اكتشاف أكثر من 17,000 لوحة طينية تعود إلى حقبة مملكة إيبلا، منها 8000 لوحة منقوشة بالكتابة المسمارية. وقد أكّدت هذه الوثائق الطينية وجود علاقات وثيقة بين مملكة إيبلا ومملكة ماري، كما دلّت على القوة السياسية والدبلوماسية التي تمتّعت بها إيبلا آنذاك.
اقتصاد مزدهر وصناعات متقدّمة
تميّزت إيبلا باقتصاد متنوع يقوم على تربية الحيوان، والغزل والنسيج، والزراعة، وعلى رأس المحاصيل: الزيتون وزيت الزيتون. وقد اشتهرت بصناعة الأنسجة الصوفية والكتانية، وكان مشغل الغزل يُعرف باسم “بيت الصوف“. ومن أبرز منتجاتها النسيج الفاخر الذي عُرف لاحقًا في العصور الوسطى باسم “الداماسك“، وهو نسيج من الكتان أو الصوف، مزخرف بخيوط الذهب.
استمرّت شهرة المناطق السورية في هذا المجال خلال الحقب التالية، كما في يمحاض وألالاخ وفينيقية.
الأدب والدين والأساطير
كانت في إيبلا حركة أدبية متطوّرة، تُرجم عنها ما يقرب من عشرين أسطورة مكتوبة، عُثر على نسخ منها، من بينها نسختان من ملحمة جلجامش الشهيرة. وقد ألقت دراسة هذه النصوص الأدبية الضوء على المعتقدات الدينية والأفكار السائدة في الألف الثالث قبل الميلاد، إضافة إلى تراتيل موجهة للآلهة وروايات أسطورية أخرى.
في المجال الديني، اتّسمت ديانة الإبليّين بـتعدد الآلهة، مع سيادة للآلهة الكنعانية. وكان من أبرز الآلهة في معتقداتهم الإله نيداكول (إله القمر)، والإله دجن الذي كان يُعد حامي المدينة، وحملت إحدى بوابات إيبلا الأربع اسمه. وقد امتدت عبادة دجن إلى بلاد الرافدين وبلغت مملكة أوغاريت على الساحل السوري.
المعادن والفنون
أتقن الإبليون صناعة التماثيل والمصوغات الثمينة من الذهب والفضة، وكانوا قادرين على قياس نقاوة الذهب، كما استخدموا معادن مثل النحاس، القصدير، الرصاص، والبرونز في صناعة الأدوات المختلفة. وتدلّ هذه المعطيات على مدى تطورهم في مجالات الفن والصناعة والعلوم التطبيقية.
