اتفاق مظلوم عبدي ـ دمشق برعاية أميركية

You are currently viewing اتفاق مظلوم عبدي ـ دمشق برعاية أميركية
“اتفاق «قسد ـ دمشق» ودلالات توقيته «الدموي في حيي الشيخ مقصود والاشرفية» يأتي متزامناً مع أحداث كبيرة وخطيرة في سوريا التي تعيش على صفيح ساخن مع بدء تكريس الواقع الاحتلالي للكيان الصهيوني في الجنوب السوري الذي تلقاه كهدية من النظام الجديد أسوة بالهدية التي قدمت لتركيا في الشمال”،
نظام مارديني-
يرصد تعبيرا الفرجة والاستعراضي مواطن فخاخ بناءات اتفاق/ الصورة السورية وامتدادات أذرعها السرطانية المتمثلة في الوسائط الإعلامية المشبوهة التي هللت لاتفاق «قسد ـ دمشق» حتى لو كان شكلياً، وهو ما يمكن رؤية ملامحه من تفاصيل اللقاء بين وفد «قسد» والرئاسة السورية الانتقالية في دمشق برعاية أميركية (9ايلول 2025)، وقد أكدت «الإدارة الذاتية» في شمال وشمال شرق سوريا أنّ نقاشات الوفدين تركزت في هذا الاجتماع على 4 نقاط رئيسية، ولكن لم يتم توقيع أي ورقة رسمية بينهما.
الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع العائد من الأمم المتحدة أراد استعادة شخصية الجولاني من جديد بهجوم قواته على حيي «الشيخ مقصود والأشرفية» وذلك بعد مجزرتي الساحل والسويداء وبدعم تركي، وحيث لم تجف دماء السوريين في كلا المنطقتين المذكورتين. ولكن هل لعاقل أن يصدق أن من استهل شبابه بالتطرف يمكنه أن يتحول فجأة إلى مدني متحضر ذي عقلية منفتحة متسامحة..
لعله «المكياج» الدولي أراده في صورته الحالية!
ففي مجتمع مقلوب المعايير، يصبح قول الحقيقة نوعاً من التزوير، وكأن الوقت تأخر في الضجيج والتسطيح وعقلية الاحتراب ونزعات التشفي المرضية والانشاء السياسي الباهت في إعادة وضع الاحداث في سياق وتسلسل لكي نعرف أين نحن.
تعميم اتفاق/ الصورة، هو تقديس للوهم، وتراجع الحقيقي لصالح الافتراضي، بحيث يصبح الوهم حقيقة بينما الواقع مجرد تمثل لتمثيل لا ينتهي بين متحاربين، علماني مدني/ إخواني تكفيري، لم يترك لنا هؤلاء مدرسة سياسية أو فكرية أو ثقافية كما باقي الشعوب، لكي تكون الأساس الذي نبني عليه للمستقبل؟
لعل نموذجَي اللبننة والعرقنة دليل لما ستكون عليه سوريا مستقبلاً، ولعل وضعية الحشد الشعبي كفصيل مستقل داخل الجيش العراقي هو صورة لما سيكون عليه وضع قوات «قسد» كقوة مستقلة في الجيش السوري، وهو ما أكده وأعلنه قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي أنه تم التوصل مع السلطات الانتقالية في دمشق إلى «اتفاق مبدئي» بشأن آلية دمج قواته ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، لافتا إلى محادثات تجري حاليا بين الطرفين في دمشق. مشيراً إلى تفاهم حول مبدأ اللامركزية مع دمشق، رغم الخلافات في تفسير المصطلحات.
يبقى أن اتفاق «قسد ـ دمشق» ودلالات توقيته «الدموي في حيي الشيخ مقصود والاشرفية» يأتي متزامناً مع أحداث كبيرة وخطيرة في سوريا التي تعيش على صفيح ساخن مع بدء تكريس الواقع الاحتلالي للكيان الصهيوني في الجنوب السوري الذي تلقاه كهدية من النظام الجديد أسوة بالهدية التي قدمت لتركيا في الشمال، في وقت تنظر أنقرة بعين القلق للتسريبات الأميركية عن مشروع تقسيم تركيا يطبخ الآن في مراكز الابحاث الأميركية.
هذا المشروع كان قد لمح إليه المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إيلون ماسك في آذار الماضي بعد مذابح الساحل السوري. يتساءل ماسك قائلاً: «لماذا تتجاهل وسائل الإعلام الرئيسة ذبح المسيحيين في سوريا؟». وكتب في حسابه على منصة «إكس»: «كم يبلغ عدد من قتلوا؟».. طبعاً آخر هموم الأميركيين هي وجود المسيحيين في سوريا كما رأينا في العراق، وفلسطين المحتلة ،ولبنان والأردن.
لقد فتح تصريح ماسك منذ ذلك الوقت باب التكهنات لما ستتعرض له إمارة قطر (العدوان الصهيوني على الدوحة) ودولة الخلافة التركية في قابل الأيام، ولم يكن مستغرباً أن يعيد ماسك نشر تغريدتان لترامب قال فيها: «الأسد أفضل من الارهاب». وان «قطر تمول الارهاب». وكأن هناك توجه لإدارة ترامب للجم الجماعات الارهابية المرافقة للمشهد السوري، لأن هناك تحذير في أميركا ومن سياسيين كبار بأن داعش والقاعدة تتحكمان بهذا البلد.
ولكن استعصت على الشرع في مواجه قوة قسد المدربة جيداً، ليس هذا فحسب، ولكن أيضاً لما تتمتع به عناصر قسد وجمهورها بالإيمان بالأرض واستعدادهم لمواجهة الجيش السوري الراهن المؤلف من شرازم متعددة من إرهابيين متنوعي الجنسية. ولعلنا نؤكد ما قاله الروائي الليبي الصادق النيهوم من أن «الشعوب التي تفشل في تشخيص أمراضها بشجاعة تموت نتيجة تناولها الدواء الخطأ».
من المؤكد أن الجيش السوري حصل على «ضوء أخضر» من أنقرة لتنفيذ «بروفة» عسكرية في ضاحية حلب ومعرفة مدى استعداد «قسد» للمواجهة الكبيرة في الأشهر المقبلة مع الجيشين التركي والسوري عندما تنتهي المدة المعطاة لقسد للأندماج في الدولة السورية، مما يجعل تركيا شريكة في هذه «البروفة العسكرية» خصوصاً وقد هددت أنقرة عشية مواجهات حيي الشيخ مقصود والاشرفية «قسد» بأنها بدأت تفقد صبرها، وأبلغت دمشق استعدادها لدعم أي عمل عسكري ضد «قسد» و«الموعد النهائي في الأساس حتى نهاية العام»، وتعتقد دمشق «أن ترامب منح تركيا حرية التصرف لحل قضية قسد».
ويظهر تواطؤ أنقرة والدوحة بشكل واضح من خلال قناة الجزيرة من جهة والقنوات التركية من جهة أخرى. تلك القنوات التي لا تزال تهلل لديمقراطية القتلة، الذين جاؤوا من الشيشان وباقي دول القوقاز، والجميع يعرف القاتل والقتيل من الاقارب والجيران. بل لم يترك لنا التكفيرين غير المقارنة بين لصوص وقتلة قدامى. وبين لصوص وقتلة جدد لأننا وكما يبدو فقدنا حلقات السلسلة وتسلسل الاحداث، وهو ما أشار إليه الفيلسوف الفرنسي جون بودريار بالقول “لقد تلاشى العالم الواقعيّ، وحلّت محلّه علامات الواقعيّ، التي تمنح الوهم للعالم الحقيقيّ”
مجتمع الفرجة السوري الانتقالي أراد من صورته الخارجية إيهام المجتمع الدولي أنه يسلك طريق الديمقراطية لتطبيق العدالة الاجتماعية في أول بند من بنود الاتفاق بين الشرع/ عبدي في آذار الماضي، وكأن الديمقراطية ثمرة سحرية اقتطفت من جنة الحداثة الغربية لحل أزمات البلدان المتخلفة، وليست هي الغيث المنهمر من سماء العولمة الذي يجب أن يروي ظمأ أرضنا المجدبة سياسياً. وإذا جاز لنا اختزال ماهية الديمقراطية بمقولة «حكم الشعب للشعب» فان ذلك لن يبيح لنا تحديد دلالتها بكونها محض آلية للحكم أو مجرد مجموعة من الضمانات المؤسسية لحماية حرية الأفراد عارية عن كل عمق اجتماعي أو ثقافي أو حتى تاريخي. وعلى الرغم من كون الأوصاف السابقة للديمقراطية لا تنصرف عن هدف نبيل مؤداه كبح جماح السلطة وترويض طاقتها في سبيل بناء مجتمع مزدهر وحر، فأن ذلك لا يحمل معه الضمانة الأكيدة مع حكم أخواني أو يضع السد المنيع للحؤول دون انقلاب سحر الديمقراطية وحلمها الشعبي (الوردي) إلى كابوس مروع تنسج تفاصيله الأغلبية الأخوانية الطاغية. وقد تساءل الشاعر الكبير أدونيس «متعجبا من مثقفين ومن سياسيّين يعتقدون أن الديمقراطيّة في سوريا يمكن أن تتحققّ على يد من يمارسون العنف، ويرتكبون مجازر فظيعة، ويدعون إلى الفتنة جهاراً، ويقومون بأعمال مشينة، ووحشيّة، ويمارسون ما يسمّونه بـ«جهاد المناكحة»، ويطالبون بتطبيق الشريعة!؟
نحن إذاً أمام مجتمع الصورة الذي جاء بعد مقتلتي الساحل والسويداء وكان يراد لحلب مقتلة أخرى، والأخيرة يراد لها أن تكون مكياج لتلميع وجه الشرع قبل لقائه الرئيس التركي أردوغان، وقد استغلت الإدارة أميركية مواجهة حيي «الشيخ مقصود والاشرفية»، وأرسلت إلى دمشق قائد «قسد» لتوقيع الاتفاق مع الشرع برعاية أميركية وبهدف ابتزاز الرئيس السوري الانتقالي.
مجتمع الصورة الذي قَلَبَ بالمطلق ماهية الإنسان السوري، وكأننا مباشرة حيال تجلي تكهنات استشرفها الفيلسوف فيورباخ منذ القرن التاسع عشر بين طيات مقدمة كتابه «جوهر المسيحية»، حينما حدس ما يلي: «لا شك أن عصرنا يفضل الصورة على الشيء، النسخة على الأصل، التمثيل على الواقع، المظهر على الوجود، وما هو مقدس بالنسبة له، ليس سوى الوهم، أما ما هو مدنس فهو الحقيقة».
السوريون الآن أمام معادلة: أما أن يتعلموا أن يحيوا معاً كمواطنين لهم كامل الحقوق المتساوية.. أو يهلكون معاً كحمقى!
نقلا عن صباح الخير – 17 تشرين الول عام 2025

اترك تعليقاً