كان اباءنا واجدادنا قديما يقولون لنا وباللغة العربية العامية الدارجة (لا يحك جلدك الا ظفرك) .
وقد تذكرت هذه المقولة كثيرا خلال الأيام والساعات المنصرمة ، حيث اتى الرئيس الأمريكي الى منطقتنا ووقع اتفاقيات وصفقات بمئات المليارات من الدولارات في حين ان الحرب في غزة ما زالت مستمرة لا بل لم يتم الوصول الى اتفاق لهدنة مؤقتة لا بل ازداد العدوان شراسة وعدوانية ودموية خلال وجود ترامب في المنطقة.
فارتقى عدد كبير من الشهداء وكانت الصواريخ والقذائف تنهمر على أهلنا في غزة الذين يتضورون جوعا في الوقت الذي كانت فيه تقدم المآدب والولائم للزائر الأمريكي فيا لها من مفارقة وهي ان تدفع الأموال العربية بغزارة في اطار استثمارات واتفاقيات للرئيس الأمريكي وفي الوقت نفسه الذي فيه اكثر من مليوني فلسطيني في غزة يتضورون جوعا ولا يملكون طعاما او ماء ويعيشون في أوضاع مأساوية كارثية مفترشين الأرض وملتحفين السماء والصواريخ تنهمر عليهم.
لا اعلم كيف يمكن ان نصف الحال العربي الذي وصلنا اليه ولكن ما اود ان أقوله لشعبنا الفلسطيني هو ما كان اباءنا واجدادنا يقولونه لنا (لا يحك جلدك الا ظفرك).
ففلسطين لن تعود الى أصحابها الا بسواعد ابناءها ويبدو ان الفلسطيني لا يجوز له ان يراهن على اية جهة رسمية خارجية ، فراهننا هو أولا على شعبنا وثانيا على كافة الاحرار من أبناء امتنا وكافة شعوب الأرض .
اعان الله شعبنا امام هذا الكم الهائل من التخاذل والتآمر والوهن العربي حيث ان بعضا من العرب حتى هذه الساعة فشلوا في وقف الحرب وفشلوا في إغاثة أهلنا في غزة الذين يموتون من الجوع ولكنهم نجحوا في تقديم مليارات الدولارات للزائر الاتي من أمريكا والذي تصريحاته وكلماته لم تخلوا من إهانة العرب نفسهم والاستخفاف بهم.
هل نحن وصلنا الى الحضيض؟ هل نحن وصلنا الى حالة الترهل والوهن العربي الغير قابل للتغيير؟
فأنا ما اود ان أقوله بأن ما نراه اليوم هو ما كان سابقا ولكن اليوم بدأت تتكشف الوجوه وغزة كشفت الكثير من الوجوه القبيحة المتآمرة والمتخاذلة والصامتة امام هذه المأساة التي يعيشها شعبنا في غزة.
لست بصدد الإساءة للاقطار العربية الشقيقة وللقادة العرب فنحن لا نسيء لاحد ولا نشهر بأحد لا بل نحب الجميع ونحترم الجميع وكما نقول بلغتنا العامية (العتب على قدر المحبة) ، فنحن نعاتبكم لأننا نحبكم ونريدكم ان تكونوا في المكان الصحيح وان تتخذوا المواقف السليمة فصوبوا بوصلتكم وان كان البعض يعتقدون بأنه قد فات الأوان ولكن دعونا ان نكون متفائلين وقائلين يا أيها العرب صححوا من اوضاعكم وصوبوا بوصلتكم ونحن لا نرفض ان تستثمروا اموالكم وان تطوروا دولكم فهذا حقكم وواجبكم ولكن لا تنسوا فلسطين وشعبها المنكوب ولا تنسوا أهلنا في غزة الذين يعانون من حرب الإبادة ويتضورون جوعا وتنكيلا.
نحترم كافة الأقطار العربية ونعتبركم اشقاء وان كان هنالك من يشككون في ذلك فأنتم اشقاءنا ويجب ان تبقوا اشقاءنا والا تتخلوا عن فلسطين وتتركوها لقمة سائغة للمستعمرين بكافة مسمياتهم واوصافهم.
لقد اعلنا رفضنا لما حدث يوم 7 أكتوبر باعتباره عملا منافيا لقيمنا الإنسانية والأخلاقية ولكن ما ذنب اهل غزة وفلسطين لكي يعاقبوا ولكي يدفعوا اثمانا باهظة بسبب حرب قذرة فُرضت عليهم ولدينا ولدى الكثيرين من أبناء شعبنا تساؤلات كثيرة وعلامات استفهام اكثر حول ما حدث يوم 7 أكتوبر ومن هو المستفيد ومن الذي استثمر هذا العمل المرفوض من قبلنا جملة وتفصيلا.
الفلسطينيون يتعرضون لمؤامرة غير مسبوقة ومخططات خبيثة هادفة لتصفية قضيتهم وهناك متآمرون معروفون ومتآمرون غير معروفون ولكنهم كلهم يعملون معا وينسقون معا في التآمر على شعبنا وقضيته العادلة.
نقول لكم يا أيها العرب بأننا ننتظر صحوتكم وسنبقى ننتظرها ، واذا ما كانت الاستثمارات مهمة لكم فيجب ان تعرفوا ان اهم استثمار هو فلسطين وهو استثمار الكرامة والحرية والإنسانية والانتماء العربي النقي والاصيل .
فلا تتخلوا عن فلسطين وقضيتها العادلة واعلموا جيدا ان المتآمر على فلسطين هو متآمر عليكم ولا تنبهروا من الابتسامات والكلمات الدبلوماسية المبطنة والتي بين سطورها نقرأ الخباثة والانتهازية والسخرية من العرب وقضيتهم الأولى.
عودوا الى رشدكم والى انسانيتكم والى عروبتكم الحقة يا أيها العرب ، أما للفلسطينيين فأقول مجددا ( لا يحك جلدك الا ظفرك) فرتبوا اوضاعكم ونظموا شؤونكم ووحدوا صفوفكم ورتبوا البيت الفلسطيني الداخلي لكي يكون قويا في مواجهة التحديات والمؤامرات القريبة والبعيدة والتي كلها هادفة لتصفية القضية وشطب فلسطين من على الخارطة.
أقول لن يتمكن احد من شطب فلسطين من على الخارطة ولن يتمكن احد من تصفية القضية الفلسطينية والفلسطينيون لن يرفعوا الراية البيضاء امام اية مؤامرات او مخططات خبيثة.
كان الله في عون أهلنا في غزة الذين يتم التنكيل بهم وبشكل غير مسبوق في ظل حالة عربية كنا نتمنى ان تكون افضل وفي ظل وضع فلسطيني داخلي نتمنى ان يكون افضل خدمة لهذا الشعب وقضيته العادلة.
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 16/5/2025