اعتراف القلب أمام ماعت: رؤية المصريّ القديم للحقّ والخير

You are currently viewing اعتراف القلب أمام ماعت: رؤية المصريّ القديم للحقّ والخير

في صميم الحضارة المصرية القديمة يقف مفهوم “ماعت”؛ تلك القوة الأخلاقية الكونية التي تُجسِّد الحقيقة والعدل والتوازن، وتربط الإنسان بالآلهة والأرض والسماء. لم يكن المصريّ القديم يرى الفضيلة خيارًا اجتماعيًّا فحسب، بل كان يعدّها شرطًا أبديًّا لاستمرار الكون وسلامة الروح في العالم الآخر.

ومن بيت الحكمة هذا، يصدح صوت الإنسان في كتاب الموتى معلنًا نقاءه أمام محكمة أوزيريس:

لم أزهق روحًا، ولم أطمع في زوجة جاري.
لم أدنّس قلبي، ولم أنطق زورًا.
لم أسرق، ولم أحقد، ولم أكن سببًا في دمعة إنسانٍ أو شقاء مخلوق.
لم ألوّث مياه النيل، ولم أتكبّر بسلطان أو منصب.
أطعمت الجائع، وسقيت العطشان، وما أقفلت باب الرحمة عن محتاج.

هذه الكلمات ليست مجرّد اعترافات بريئة، بل هي مرآة روحٍ تؤمن بأن العدالة ليست قانونًا يُطبّق، بل حياة تُعاش. ففي ميزان المصريّ القديم، يتحمّل المرء مسؤولية الكون من خلال سلوكه اليومي؛ فكلُّ خطيئة تُحدث خللًا في نظام العالم، وكلّ فعل خير يعيد الانسجام إلى الوجود.

وهكذا، يتجلى الإنسان المصري القديم ككائنٍ أخلاقيٍّ راقٍ، يرى الرحمة والصدق وحماية الطبيعة واحترام الآخر ليست شعارات، بل طريقًا للخلود ونيل “الثقل الأخلاقي” الذي يسمح لقلبه أن يوزن بريشة ماعت فلا يَثقل بالخطيئة.

إنها رسالةٌ خالدة:
العدل يبدأ من القلب، والكون يقوم على ضمير الإنسان.

اترك تعليقاً