أطلق مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية (MEIRSS) يوم السبت الماضي في مقّره في جونيه مكتبة المفكر اللبناني أنطوان نجم الذي قدّم جزءًا كبيرًا من مكتبته الخاصة إلى المركز.
حضر إلى نجم زوجته وابنته، ومدير المركز الدكتور إيلي الياس، بمشاركة مجموعة من الطلاب والأساتذة.
استهلّ الياس اللقاء بالترحيب بالحضور، شاكرًا لنجم قبوله بتقديم قسم من إرثه الفكري. نجم البالغ من العمر 94 عاماً، قضى معظم حياته بين التعليم المدرسي والجامعي، إلى جانب انخراطه في الشأن السياسي واعتناقه للفكر اللبناني المسيحي. هو مفكّر لبناني معروف بوطنيّته وتمسّكه بالقضية اللبنانية. عايش نجم أصعب المراحل في تاريخ لبنان المعاصر، فكان على إدراك وإلمام بأهمية معالجة القضايا المطروحة في كل مرحلة بحسب ظروفها، لفهمها وفهم لبنان كما يلزم.
هو الذي انطلق بنضاله السياسي في حزب الكتائب اللبنانية، إلى جانب الشيخ بيار الجميّل، ليصبح ركيزة أساسية للشيخ بشير الجميّل في حقبته وخاصّة عند انتخابه رئيساً للجمهورية. يقول بدوره نجم “أصبحنا أنا وبشير شخصاً واحداً لا ننفصل عن بعض في العمل السياسي وبتبادل وجهات النظر والآراء، أعطيه الحريّة وأسمح له حتّى بانتقاد آرائي”. وفي العام الأخير عُيّن نجم في الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية، بقرار من رئيس الحزب. سجّل نجم مذكّراته الطويلة وأوصى أن تُنشر فيما بعد”، مشيراً إلى “أهمية ما سيتركه من إرث للأجيال القادمة”.
فُتح المجال أمام الحاضرين لطرح أسئلة على الأستاذ أنطوان، فكان سؤال أحدهم عن قيمة لبنان وقضيته. ليأتي جواب نجم “أن لبنان هو العطاء الذي منحنا إياه ربّنا في هذا الشرق، إنه نعمة إلهية أسكنتها في عقلي ونفسي، آمنت بلبنان دون أن أفكّر مرّة واحدة بالهجرة من هذا البلد، وآمنت بدور المسيحيين فيه وخاصّة الموارنة لأن لهم الإرتباط الوثيق في هذه الأرض المسمّاة لبنان. حتّى جوارنا العربي والإسلامي، يهتمّ ويتعلّق بسبب وجودنا في هذا الشرق”.
وإلى أي مدى يمكن للمواطن اللبناني أن يمارس النشاط السياسي والعلمي والفكري، لا سيّما في ظلّ الأوضاع المتقلّبة في الداخل اللبناني؟ اعتبر نجم أنه “انطلاقاً من تجاربه وسيرته الذاتية، أدعوكم إلى التحلّي بالجرأة وخوض التجارب السياسية والفكرية كما يجب، وقول الحقيقة كما هي وبكلّ قناعة”. وقال:”الحاضر يشير إلى تراجع في الأداء الفكري والسياسي وتناقص أعداد النخب اللبنانية مقارنة بالنخب التي كانت سائدة منذ عقود من الزمن في الوسط السياسي في لبنان، مع العلم أنني عانيت في كلّ المراحل تجّار السياسة والفكر، فلا تكونوا يوماً مثل اولئك التجّار، هم من أفسدوا لبنان الذي وصلنا إليه”.
وعما إذا يصح القول أن هناك تغييرًا جذريًا يجب أن يطرأ على النظام اللبناني للعبور إلى مرحلة أفضل؟ توازياً مع هذا السؤال، ينبغي تعريف الفكرة الرئيسية التي يبني عليها المفكّر أنطوان نجم تصوّراته للنظام اللبناني، ومحورها الدولة الفيدرالية. قدّم نجم منذ عقود هذا الطرح انطلاقاً من فهمه واقتناعه بالتركيبة المجتمعية المتعدّدة، باعتبارها كنزٌ يتغنّى به لبنان، وكان أول مقال نشره عن الفدرالية في مجلّة “الصيّاد” عام 1976. كما سعى نجم إلى شرح أهمية أن يكون لبنان دولة إتحادية، مع تأسيس مجلس رئاسي بدل جعل الرئاسة محصورة بشخص واحد، بما يسمح لجميع المكوّنات بممارسة حقّهم بالمشاركة، تماشياً مع التعددية المجتمعية.
وعن رأيه بالمواصفات اللازمة لأي شخص قيادي ومسؤول؟ قال:”أوّلها التواضع، الثقافة، المحبّة، العلاقات الجيّدة مع محيطه، احترام الرأي الآخر والسعي إلى توجيهه نحو الأفضل، وبالطبع الإهتمام بالمصلحة الوطنية. أنا بدوري، وخلال مسيرتي المهنية، كنت على مقربة بالعديد من الأساتذة، رغم اختلافهم المذهبي والفكري، وكنت ألتزم بهذه المواصفات بحكم منصبي كمدير مدرسة. كنت على قناعة بأننا أناس نستحقّ التفاعل فيما بيننا، كمسلمين ومسيحيين في هذا البلد، نحو تشكيل مجموعة خلّاقة تعيش وفقاً للمبادئ والقيم”.
وفي نهاية اللقاء، ومن بعد تقديم عرض سريع حول كيفية توزيع الكتب وتقسيمها بحسب مواضيعها، ووضع آلية لكيفية البحث عن الكتب وقراءتها، عبّر نجم عن امتنانه لهذا العمل الدؤوب والذي أصبح نادراً في يومنا الحالي، مشدّداً على “أهمية الاستمرار بهذا النهج وهذه الروحية”. ووقع كتبًا صادرة له في السابق وقدّمها إلى الحاضرين، تاركاً جملة معبّرة عن لبنان والقضية اللبنانية إلى جانب توقيعه.