الأحد الأخير بعد عيد الصليب

الخوري نسيم قسطون

ربّما نسمع كثيراً عبارة “خريطة الطّريق” في ميادين السياسة أو التخطيط الانمائيّ…

في هذا النصّ (متى 25: 31-46)، يساعد الربّ يسوع المسيح البشريّة على الشفاء من جراحها ومآسيها عبر دواء فعّال هو محبّة الإنسان، أي القريب والغريب على حدٍّ سّواء وهو ما يشكّل خريطة طريق روحيّة نحو السماء ومختصرها ما عبّر عنه القدّيس يوحنا الصليب الكرمليّ: “عند مساء الحياة، سوف ندان على الحبّ”.

من يريد أن يكون مع الله عليه أن يعرف كيف يحيا المحبّة مع النّاس… فمن ابتغى الخلاص، عليه أن يخرج من أنانيّته وأن يتطلّع إلى احتياجات سواه وأن يلبّيها لا طمعاً بالشّكر أو بالحصول على المواقع أو المناصب، بل كي يكون أقرب إلى الله أي أنّ من أراد سكنى السّماء عليه أن يرحم ويحبّ من في الأرض!

في هذا الإطار، تستوقفنا كلمات القدّيس أوسكار روميرو: “كلّ إنسانٍ صورة لخالقه. وما يصيب الإنسان يصيب الله… فلا تمييز بين صورة الله والإنسان. والّذي يعذّب إنساناً، والّذي يهين إنساناً، والّذي يلقي على إنسان مسؤوليّة أمرٍ سيّء، يفعل ذلك بالله” (كتاب الثائر الأعزل للأب سامي حلّاق من دار المشرق، طبعة أولى، سنة 1993، صفحة 34).

ينبّهنا إنجيل هذا الأحد الختامي لزمن الصليب إلى أنّ الإيمان لا يُعبّر عنه بالطّقوس فقط، بل علينا أن نغرف القوّة من الصلاة والطقوس لعيش المحبّة الحقيقيّة في قلب مجتمعنا بدءاً من أكثر النّاس حاجةً إليها!

بالمقابل، كثيرون يقومون بأعمال إنسانيّة، ولكنّهم يهملون العلاقة مع الله التي، وحدها، تكفل هذه الرّوح المجّانيّة في العلاقة مع الآخرين. بالتالي، إنّهم يخطئون إن ظنّوا أنّه يمكنهم الاكتفاء بالعلاقة مع أحد الطرفين… فمنذ تجسّد الربّ توحّد لاهوت الله مع ناسوت الإنسان بشكل أصبح فيه مستحيلٌ الفصل بين الله والإنسان وبالتالي أضحى غير ممكنٍ ادّعاء محبّة الله دون النّظر إلى الإنسان المحتاج ومن غير الوارد القيام بأعمال الخير بمجّانيّة إن لم يكن الدّافع إليها محبّة الله!

في هذا الإطار، قال البابا فرنسيس في عظته الصباحية في 16 تمّوز 2015: “عندما نساعد الفقراء، نقوم بعمل خير فهو عمل إحسان وإنساني وكل أعمال الخير هي جيدة وإنسانية إنما هذا ليس الفقر المسيحي الذي يتحدّث عنه القديس بولس ويبشّر به. إنّ الفقر المسيحي هو أن أعطي من حاجتي للآخرين وليس من الفائض الذي أملكه مدركًا بأنّ الفقير هو من يغنيني وليس العكس. وإن كنت تسأل: كيف أغتني من الفقراء؟ الجواب: لأنّ يسوع بذاته هو في كل فقير”…

ما قاله البابا هنا ينطبق على كلّ محتاج يدعونا فيه الله إلى ملاقاته وإلى التواصل معه فيصبح الإحسان أو المساعدة شكلاً من أشكال الصلاة التي لن تحافظ على نقائها إلّا بالتواصل الدائم مع الربّ.

اترك تعليقاً