الخوري نسيم قسطون
لقد جمع يوحنّا المعمدان في رسالته على الأرض بُعدين من أبعاد الرسالة يختصران بكلمة واحدة وهي الشهادة!
الشهادة بالقول وبالفعل هي جزءٌ من دعوة كلّ إنسانٍ مسيحيّ إذ عليه أن يجمع، في حياته، ما بين إيمانه النظريّ والترجمة العمليّة لهذا الإيمان بالأفعال والتصرّفات!
تتطلّب هذه الشهادة الكثير من التضحيات ومن التخلّي عن الأنانيّة في سبيل تحقيق الأفضل!
وقد يصل الأمر إلى حدّ التضحية بالحياة وهنا نتكلّم عن شهادة الدم أي الاستشهاد!
الشهادة عملياً أو حتّى بالاستشهاد هما صنوان في الحياة المسيحيّة إن اقتضى ذلك وفاؤنا لمخلّصنا الوحيد، ربّنا يسوع المسيح!
نتأمّل، في هذا الأحد الأوّل بعد عيد الدنح، بشهادتين ليوحنّا المعمدان عن الربّ يسوع (يوحنا 1: 29-34).
شهد يوحنّا المعمدان وقال: “هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم”!
قال يوحنّا هذا الكلام قبل أن يرى أيّ عمل من أعمال يسوع، ولكنّه أصغى لصوت الله في قلبه والّذي حرّكه منذ أن كان في حشا والدته!
إنّ لقب “حمل الله” يذكّرنا بكلام آشعيا عن المخلّص المنتظر ووصفه له كالتالي: “عومل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه كحمل سيق إلى الذبح كنعجة صامتة أمام الذين يجزونها ولم يفتح فاه ” (آشعيا 53: 7)؛ ويمهّد لنا السبيل لفهم لاهوت إنجيل يوحنّا الّذي رأى في المسيح الحمل الفصحي الّذي ذبح على الصّليب فأبطل الذبائح القديمة (إنشقاق حجاب الهيكل) وافتتح العهد الجديد بغلبته على الموت بالموت والقيامة.
وفقاً لنصّ اليوم، لقد استجاب يوحنّا أيضاً لصوت الله الّذي أنبأه بأنّ “مَنْ تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ ويَسْتَقِرُّ عَلَيْه، هُوَ الَّذي يُعَمِّدُ بِٱلرُّوحِ القُدُس”.
وعليه، لقد شهد يوحنّا لحقيقة الربّ يسوع كابن الله لأنّه اعتاد فتح قلبه وروحه لكلام الله واعتاد أن يفسح المجال لهذه الكلمة كي تعمل في داخل كيانه!
بالطبع، إنّ لقب “ابن الله” كان غريبًا على مسمع اليهود المؤمنين بإله واحد لا يلد ولا يولد ولكنّه لم يكن غريبًا على من حلّ عليه الرّوح القدس منذ الحشا، أي يوحنّا المعمدان، ليمهّد الطريق لمن عرّفنا على الله الواحدٍ كثالوثٍ أقدسٍ: الآب والابن والرّوح القدس.
السؤال الّذي يطرح علينا اليوم هو: هل نشهد للربّ يسوع على مثال يوحنّا المعمدان في محيطنا وحيثما حللنا؟
يجب أن يشكّل هذا السؤال جزءاً لا يتجزأ من فحص ضميرنا يومياً…
فنحن لا نعي في كثيرٍ من الأحيان أهميّة الدور الّذي أناطه الله بنا حين كلّفنا، منذ معموديّتنا، بعيش البنوّة لله في كلّ ما نقوم به أو نقوله أو نحياه!
الشهادة لابن الله ليست مجرّد كلامٍ أو بعض صلوات نتلوها أحياناً عن ظهر قلب…
هي أوّلاً روحٌ تنبع من داخلنا وحياةٌ نجسّدها في سلوكٍ متناغمٍ مع ما نصلّيه أو بأقل تعديل لما ندّعي بأننا عليه، أي “مسيحيّون”!
في إنجيل اليوم، أصغينا إلى شهادة يوحنّا المعمدان… أمّا في الحياة، فسننتظر شهادة كلّ منّا للربّ في حياته الخاصّة ومع من هم حولنا ممّن قد تتوقّف محبّة الله في حياتهم على دورنا وعلى أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا!
Share via:
