في إنجيل الأحد التاسع من زمن العنصرة (لوقا 4: 14 -21)، الّذي يتحدّث عن وجود الربّ يسوع المسيح في مجمع الناصرة، نتأمل في تحقّق نبوءة آشعيا في شخصه كما أكّد في آخر آية من إنجيل اليوم: “اليوم تمت هذه الكتابة التي تليت على مسامعكم”.
دعونا نفحص ضمائرنا ونتساءل عن مدى تطابق حياتنا مع هذه النبوءة، وكيف يمكننا أن نكون شهودًا لرسالة المسيح اليوم.
لقد مُنحنا جميعًا الروح القدس يوم عمادنا وثُبِّتَتْ فينا نعمته يوم تثبيتنا. وبالتالي يصحّ في كلّ واحدٍ منّا القول: ““رُوحُ الرَّبِّ علَيَّ”!
السؤال هو: كيف نستفيد من هذا الرصيد الروحي؟ هل نوظفه بشكل جيد؟ وما هو الهدف من هذا الاستثمار؟ نحن مدعوون لاستثمار نعمة الروح القدس في حياتنا اليومية، لتكون أفعالنا متوافقة مع إرادة الله ومحبته ولو قادنا ذلك إلى التمايز في مواقفنا وسلوكنا على مثال الربّ يسوع الّذي، أثناء قيامه برسالته على الأرض، قلب العديد من المفاهيم السائدة وخاصّةً حين أكّد على التالي “مسحني لأبشر المساكين”.
نحن نكرم الأقوى والأغنى بحثًا عن الإفادة الشخصية أو خوفًا من الأذى. لكن يسوع كان جذريًا في خياراته، فأعطى الأولوية للأضعف والأفقر.
ما فاجأ معاصري يسوع هو الأولوية التي أعطاها للمهمشين والمقهورين وهو يدعونا اليوم إلى انقلاب في المفاهيم، لنرى في كل إنسان قيمة ومكانة عبر تحرير أنفسنا من الأفكار الماديّة وعبر شحنها بأفكار الرب كي نتمكّن من مواجهة الظلم والفقر بطرق عملية وفعالة، متبنّين مقولة آشعيا النبيّ: “أُنَادِيَ بإطلاق الأسرى”!
ليس الأسرى فقط من يقبعون في السجون، بل هم أيضًا من فقدوا حريتهم بإرادتهم. فالخطأة الذين يعيشون في خطاياهم ولا يرغبون في التغيير هم أسرى من نوع آخر.
يدعو الربّ يسوع الأسرى ليختاروا الحرية بعد أن أوضح لهم سوء حالتهم فهل نحن منهم أم أننا نساهم في أسر الآخرين؟
هنا نتوقّف على فكرة “عودة البصر إلى العميان”.
يسوع شفى العديد من العميان، لكن النبوءة تتحدث عن نوع آخر من العمى، وهو عمى القلب والفكر أي رفض الخلاص والفداء الذي أتى به المسيح. فهل نحن من العميان الذين يرفضون رؤية يسوع وما يريده منا لخلاصنا؟
يريد الربّ أن يحرّرنا: “أطلق المقهورين أحرارًا”!
العميان الذين تحدثنا عنهم يختارون العمى، أما المقهورون فيخضعون لقسوة الآخرين. الحرية للمقهورين تتحقق عندما يشعرون بأهمية وجودهم وإنسانيتهم عبر أشخاصٍ على استعداد كي يكونوا أدواتٍ لتحرير الآخرين؟
لقد افتتح الربّ يسوع عصر الانتصار النهائيّ لله على الشر والخطيئة: “أنادي بسنة مقبولة لدى الرب”.
وهو يمنحنا، في كلّ يومٍ، إلى إدراك أهميّة الوقت الّذي يمنحنا إياه الله لنكون مسؤولين أيضًا عن تحقّق مشروع الخلاص في هذا العالم.
إنّ روح الرب اليوم هي على كلّ مسيحي، خاصة مع نعمة سرّ المعمودية التي تتم باسم الثالوث الأقدس. هذا الروح الذي رافق يسوع في رسالته يرافقنا اليوم ويدعونا كي نتغيّر من الداخل عبر افتاح قلوبنا على نعم الروح القدس!
إنجيل اليوم يدعونا إلى التأمل في حياتنا على ضوء كلام النبي آشعيا وإلى الإجابة على التالي:
- هل نترك لروح الرب أن يعمل في حياتنا؟
- هل نهتم بالمساكين روحيا وماديا؟
- هل نعلم بشقاء وألم الأسرى من حولنا؟
- هل نسعى في حياتنا أن نرشد العميان إلى النور؟
- هل نساعد المقهورين على محبة وتقدير ذواتهم؟ هل نكرّس للربّ وقتًا محدّدًا من حياتنا أو إنّ حياتنا كلّها هي فسحةٌ لعمل الربّ الخلاصي؟
لنسأل الله أن يحرّرنا ويخلّصنا من قيودنا ولنعد إلى حصن إيماننا واثقين بقدرة الله على تغيير حياتنا لنكون أدواتٍ طيّعة في يده، بإرادتنا، فنشارك في رسالة الخلاص ونحمل نوره إلى العالم.