الأحد التاسع من زمن العنصرة

You are currently viewing الأحد التاسع من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون:

في خضمّ عالمٍ يزداد فيه الضجيج والاضطراب، يتسلّل صوت المسيح بهدوء إلى أعماق القلب، معلنًا أن ساعة النعمة قد أتت، وأنّ كلام النبوءة قد تحقّق فيه (لوقا 4: 14-21). إنّه ليس مجرّد إعلان بل دعوة شخصيّة لكلّ واحدٍ منّا، لننقّي ذواتنا من الغشاوة الروحيّة، ونعود فننظر إلى الأمور بعينيه، نقرأ الواقع من خلال إنجيله، ونقيس قراراتنا على مقياس محبّته.

لقد نلنا الروح القدس يوم عمادنا، لا كزينة روحيّة بل كقوّة قادرة أن تحوّلنا إلى شهودٍ أمناء في عالمٍ يتأرجح بين الخير والشر. لا تكفي الكلمات، بل يتطلّب الإيمان ترجمة حيّة، تبدأ من الذات وتمتدّ إلى الآخر. فكم من مرّة انشغلنا بأنفسنا ونسينا أن البشارة لا تحتمل التأجيل، وأنّ الفقراء والمهمّشين ينتظرون مَن يلتفت إليهم لا بشفقة، بل باحترامٍ وشراكة!

من يختبر حريّة المسيح لا يعود قادرًا أن يتغاضى عن ظلمٍ أو أسرٍ أو قهر. لأنّ الحرّ بالروح مدعوّ ليطلق سراح الآخرين من سجونهم، سواء كانت من صنع البشر أو من صنع الخطيئة. والعمى الحقيقي ليس فقدان البصر بل رفض النور. كم من مرّة تجاهلنا نداءات الله لأنّها لم تناسب أهواءنا؟ كم من مرّة فضّلنا المسايرة على المواجهة، والراحة على التضحية، واللامبالاة على الرحمة؟

لكنّ المسيح لا ييأس منّا، بل يعود كلّ مرّة وينادينا باسمنا، يقف عند عتبة القلب وينتظر أن نفتح. هو لا يفرض ذاته، بل يعرض علينا طريقًا جديدة، لا تُقاس بما نملك بل بما نعطي، لا بما ننجز بل بما نحبّ، لا بما نظهر بل بما نكون.

في سنة مقبولة لدى الربّ، لا تعني الأيّام فقط، بل تعني تحوّل القلب. هي السنة التي نعود فيها من التيه، ونتخلّى فيها عن الأقنعة، ونضع ثقتنا من جديد في ذاك الذي أحبّنا حتّى الصليب. المسيحيّ الحقيقيّ هو الذي يعيش هذه السنة كلّ يوم، يُصغي للروح ويتركه يقوده في عتمة هذا العالم، فيصبح علامة حضور إلهيّ حيّ لمن حوله.

إنّها ساعة الاختيار: إمّا أن نبقى في مناطق الظلّ، أو أن نفتح عيوننا على نور الحقيقة، وننطلق في مشروع الخلاص بشجاعة وتواضع. فالمسيح ما زال يعبر بيننا، يبحث عن القلوب المستعدّة، عن النفوس الظامئة، عن أيدٍ تمتدّ وتقول له: “ها أنا يا ربّ، أرسلني!”.

اترك تعليقاً