الخوري نسيم قسطون –
كثيرون في أيامنا يحاولون الظّهور بمظهر الحريصين على التقاليد والأعراف فيما هم يشكّلون مصدرًا للخطر على إيمان النّاس فحين تضحي صلاةٌ ما وسيلةً للهلاك إن لم ترسل إلى عشرة أشخاص أو تعتبر صورة لقدّيس مصدرًا للمصائب إن لم تضع تحتها “لايك” أو حين يوضع صليب على مرآة السيّارة ونضوة حصان ضدّ “صيبة العين” في آخرها، يصبح التناقض الصّارخ عنوان المشكلة ما بين حقيقة الإيمان وجوهره وما بين طرق التعبير عنه المشبوهة أحيانًا أو المعاكسة للإيمان!
لا يجب أن يستند إيماننا إلى مجرّد أقاويل أو عادات، قسمٌ منها مكتسب من المجتمع والآخر من مجموعة من الأساطير صدّقها النّاس عبر العصور!
تبقى البوصلة الكتاب المقدّس وتعليم الكنيسة لمن يفتح قلبه وذهنه!
لقد حذّر مار بولس أهل كورنتوس من التصديق من دون تمييز إذ قال: “ولا عَجَب، فإِنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يَتَنَكَّرُ بِلِبَاسِ مَلاكِ النُّور” (2 كورنتوس 11: 14) والأوضح إنجيل اليوم حيث يرد: “فَسَوْفَ يَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وأَنْبِيَاءُ كَذَبَة، ويَأْتُونَ بِآيَاتٍ عَظِيمَةٍ وخَوارِق، لِيُضِلُّوا الـمُخْتَارِينَ أَنْفُسَهُم، لَو قَدِرُوا”!
كثيرون يقرأون هذا النصّ من الإنجيل (متى 24: 23-31) بطريقة حرفيّة وهذا يقودهم إلى عيش منطق الخوف أو المناداة به.
ولكن، ما أصعب الحبّ المبنيّ على الخوف!
إنّه حبٌّ لا يدوم لأنّ الحبّ بطبيعته لا يمكن تطويقه أو تقييده…
لذلك، يخطئ من يقرأ هذا الإنجيل بأسلوبٍ حرفيّ فيغمره الخوف من أحداثٍ كبيرةٍ وصورٍ مريعةٍ تزرع الخوف في النّفوس!
تحذّرنا الكنيسة من القراءة الحرفيّة للكتاب المقدّس والتي تقودنا إلى الانحراف عن المعنى الأعمق والأشمل لهذا النوع من النّصوص من إنجيل متّى أو سواها ممّا ورد في العهدين القديم أو الجديد والتي تحوي أحداثاً تمّت منذ أمدٍ بعيد وفق ما تظهره العديد من الدّراسات، ومنها هذا النصّ الّذي، في العمق، يدعونا، بمختصر مفيد، إلى الإستعداد الدائم للقاء الربّ، لا فقط في نهاية حياتنا، بل في كلّ حينٍ وخاصّةً في كلّ عمل خيرٍ بمقدورنا أن نتمّمه.
تدعو النّصوص الرؤيويّة المؤمنين إلى التعلّق بمن ينشلهم من اليأس إلى الرّجاء وهو الربّ يسوع، إبن الله وابن الإنسان!
إنجيل اليوم يرشدنا إلى حيث سنجد حكماً الربّ ويدعونا إلى الإصغاء إلى كلامه وإلى العيش وفق مضمونه في هذه الحياة!
علامة ابن الإنسان تظهر، منذ اليوم في كنيسته، في كلّ سرّ من الأسرار وفي كلّ عمل محبّة وأعظمها عطاؤه العظيم لنا في سرّ الإفخارستيا ومن لا يقدّر حضور الله في القربان ومن لا يقرأ الكتاب المقدّس لن يطول تقديره لظهورٍ ما أو لأعجوبة طويلاً لأنّ إيمانه يشابه الإيمان الّذي تحدّث عنه الربّ قائلاً: “وكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالي هـذِهِ، ولا يَعْمَلُ بِهَا، يُشْبِهُ رَجُلاً جَاهِلاً بَنَى بَيْتَهُ عَلى الرَّمْل” (متّى 7: 26).
هذا النصّ يدعونا إلى تجاوز الخوف والقلق نحو الرّجاء فابن الإنسان هو الّذي سيظهر وسينتصر بظهوره الرّجاء والأمان على الاضطراب والشكّ ويدعونا أيضاً إلى الاحتفال الدّائم بحضور الربّ في حياتنا وإلى تمجيده في أعمالنا وأقوالنا وسلوكنا!
Share via: