الأحد الثالث من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون:

عندما يبحث الإنسان عن منزلٍ ليقيم فيه، يختار عادةً منطقةً تروق له ويسعى بقدر الإمكان للإستعلام عن جيرانه ومحيطه الإنسانيّ أيضًا كي ينعم في إقامته التي لم يخترها لفترة قصيرة بل لتكون مقرًّا له مدى العمر!

بهذا المعنى يجب فهم كلام الربّ يسوع في إنجيل اليوم (يوحنا 14: 21-27) اليوم: “مَنْ يُحِبُّنِي يَحْفَظُ كَلِمَتِي، وأَبِي يُحِبُّهُ وإِلَيْهِ نَأْتِي، وعِنْدَهُ نَجْعَلُ لَنَا مَنْزِلاً”!

لا يستطيع الله أن يسكن في قلبٍ يرفضه أو لا يحبّه لأنّه لا يفرض ذاته علينا ولا يريد أن تكون علاقته بنا مبنيّة على الفرض…

كثيرون يصلّون لأنّه واجب أو يعبدون الله لأنّهم إعتادوا… ولكن إنجيل اليوم يدعونا جميعًا كي تكون علاقتنا بالربّ علاقة محبّة ومن أحبّ سهل عليه أن يصغي ويطبّق كلام من يحبّ…

لنعد بالذاكرة إلى أيّام الدراسة فنجد البرهان على ما قلناه إذ كنّا نحبّ المواد ونبرع فيها بمقدار ما كنّا نستلطف معلّميها ومعلّماتها…

هذا المثل يدفعنا كي نفحص ضمائرنا لأنّ ذلك يعني أنّنا لا نحبّ الله كفاية ولذلك يصعب علينا أن نحفظ كلمته!

وكيف لنا أن نحبّ إن كانت قلوبنا مغلقة في وجه الرّوح القدس؟ وكيف لنا أن نحبّ إن كنّا لا نفهم لغة الله الّتي هي محبّة؟

فبقدر ما نحبّ نفهم الله وبقدر ما يصعب علينا فهم الله يكون الإشكال في محبّتنا وعندها لن نشعر بالسّلام… بل ستخدّرنا بعض المناسبات الفرحة أو بعض النكات أو بعض الشّراب… لنعود بعدها إلى معاركنا وحروبنا!

في مدرسة الله لا يوجد فرصةٌ صيفيّة ولا أعطال ولا إضرابات لأنّ المحبّة لا تَتعب ولا تُتعِب ومن يكون تعبًا في المحبّة يكون في الحقيقة غير مدركٍ بعدُ في الصّميم لجوهرها بل يعيش بعض ظلالها لا حقيقتها…

“مَنْ لا يُحِبُّنِي لا يَحْفَظُ كَلِمَتِي”…

أخ! كم هي قاسيةٌ هذه الآية… فهي تشير بوضوح إلى أنّ التناقض ما بين إيماننا وسلوكنا يدلّ على عدم محبّتنا للربّ أو باقلّ تعديل على شحّ محبّتنا له!

كلام الربّ يسوع واقعيٌّ جداً ونابعٌ من طبيعة الإنسان الّذي غالباً ما يميل إلى اختيار الأساليب الأسهل للحصول على السّعادة ولو مؤقّتة ويبتعد عمّا يحتاج إلى وقتٍ او مجهودٍ أكبر لتحقيق سعادةٍ دائمة.

لقد أرشدنا الربّ في الكتاب المقدّس إلى طريق الحياة الأبديّة عبر الاقتداء بالربّ يسوع والاهتداء بأقواله ووصاياه…

ولكن الإنسان لا يتّبع دوماً خريطة هذه الطّريق بل يفضّل سلوك ما يظنّه مختصراتٍ تؤدّي به غالباً إلى الابتعاد عن الطريق الأساسيّ وإن تشابهت بعض المعالم…

من الثّوابت في الحياة الرّوحيّة أنّ كلّ فرحٍ يشعر به الإنسان بعيداً عن الله سيجعله أبعد بخطواتٍ كثيرة عن السّعادة الحقيقيّة التي قوامها مشابهته لجوهره الأساسيّ: بنوّته للّه.

دعوا اليوم الرّوح القدس ينقلكم من ظلّ وخيال المحبّة إلى قلبها وعندها فقط ستتمتّعون بالسّلام!

اترك تعليقاً