الأحد الثالث من زمن القيامة

You are currently viewing الأحد الثالث من زمن القيامة

الخوري نسيم قسطون:

يمكننا أن نرى في مسيرة تلميذي عماوس (لوقا 24: 13-35) صورةً حيّة لواقعنا اليومي. فكما كانا يتوجهان بعيدًا عن أورشليم، مركز الإيمان واليقين، نجد أنفسنا أحيانًا نسير بخطى ثابتة نحو أماكن تبدو لنا أكثر إغراءً أو وعدين بالخلاص. لكن الحقيقة هي أننا لا نبتعد فقط عن مكانٍ جغرافي، بل نبتعد عن مصدر النور الذي يضيء دروب حياتنا. في هذه الرحلة التي نظن أنها ستجلب لنا الحرية، نكتشف أن ما اكتسبناه ليس سوى غشاوة تحجب عن عيون قلوبنا رؤية الله.

ما يجعل المسألة أكثر تعقيدًا هو أننا غالباً ما نحمل معنا الكتاب المقدس، الكلمة الحية، ولا ندرك أن تلك الكلمة تحتاج إلى قلب مستعدّ ليفهمها ويتأمل فيها بعمق. كما أن الجسد والدم المقدسين، اللذين هما الغذاء الروحي الأساسي، قد يفقدان قيمتهما في نظر البعض بسبب الانشغالات اليومية أو التشتت الذهني. وهكذا، تتكرر القصة ذاتها: نسير مع المسيح دون أن نشعر بحضوره لأنه لم ينفتح قلبنا بعد على العمل الذي يريد أن يُتممَه داخلنا.

لكن العودة ليست مستحيلة. فالربّ الذي رافق التلميذين بصبرٍ ومحبة حتى كشف لهما حقيقته عبر شرح الكتب ثم كسر الخبز، هو نفسه لا يزال ينتظرنا في كل زمان ومكان. عندما نعود إلى أحضان الكنيسة، حيث يتجلّى حضوره الواضح من خلال سرّ الإفخارستيّا وأعمال الرحمة والتآخي، نبدأ برؤيته بعيون القلب. فالكنيسة ليست مجرد بناء أو مؤسسة؛ إنها جماعة المؤمنين الذين يعيشون الوحدة فيما بينهم ويشاركون بعضهم البعض في كل شيء، سواء كان ذلك ماديًا أو روحيًا.

إن السرّ يكمن في أن نتعلم كيف ننظر إلى الزمن بطريقة مختلفة. فحياتنا ليست مجموعة من اللحظات المتفرّقة بل هي مسيرة متصلة، وكل حدث فيها يحمل رسالة. إذا انغمسنا في الماضي بنوع من الحنين المفرط أو الندم المستمر، أو إذا أسأنا استغلال الحاضر بالتوتر والقلق بشأن المستقبل، سنفوّت الفرصة لندرك أن الله يعمل دائمًا في صمت، وفي كل تفصيل صغير وكبير. لذلك علينا أن نتحلى بالصبر واليقظة الروحية حتى نستطيع تمييز صوته.

الدعوة واضحة ومباشرة: لنرجع خطواتنا نحو أورشليم، نحو الجماعة التي تضمّنا تحت جناحها مثل أمٍ حانية. هناك حيث تجتمع العائلة المسيحية حول مائدة الكلمة والقربان، يمكننا أن نختبر المعجزة ذاتها التي اختبرها تلميذا عماوس. ففي اللحظة التي تنفتح فيها أعيننا على المسيح الحي، لن نعود نسمح لأنفسنا بأن نبتعد عنه مرة أخرى. ولن يحدث هذا إلا عندما نقرر أن نجعل منه محور حياتنا، وأن نلتزم بالمشاركة الفاعلة في الحياة الكنسية بكل أبعادها.

لنثق إذن بأن الطريق إلى الله لا يكون بعيدًا عن الكنيسة، لأنها البيت الذي اختاره ليكون فيه معنا دائمًا. لنخرج من دوامة البحث العقيم ونعود إلى المكان الذي يضمنا جميعًا كإخوة وأخوات في المسيح، حيث نجد السلام الحقيقي والراحة الدائمة.

اترك تعليقاً