الخوري نسيم قسطون:
عند التأمل في النصوص الإنجيلية، لا سيّما إنجيل هذا الأحد (متّى 12: 14-21)، يتضّح لنا أن حياة الربّ يسوع المسيح كانت مليئة بالتحديات والمواجهات، خاصة مع الفرّيسيّين والصدوقيّين ورؤساء اليهود إذ أنّ تعاليمه كشفت رياءهم وتعصّبهم، مما هدد سلطتهم وهيبتهم، فشعروا بالخطر و”تشاوروا عليه ليهلكوه”، مما يعكس مدى الكراهية التي كانت تكنها له هذه الفئات.
هذه الكراهية ليست بعيدة عن حياتنا اليوم، فكم من مرة نجد أنفسنا منزعجين من تعاليم يسوع التي تدعو للمحبة والصفح والغفران؟
أحيانًا، نشعر برغبة في التحرر من قيود الإيمان لنفعل ما نشاء دون حسيب أو رقيب، وهذا يعكس جزءًا من الصراع الداخلي الذي نعيشه كمسيحيين.
لكن الربّ يسوع واجه الشرّ بالحكمة. فعندما علم بأن الفريسيّين يخطّطون لإهلاكه، انصرف من المكان، مما يعكس الحكمة والفطنة في اختيار الوقت المناسب للمواجهة. هذا يذكرنا بالمقولة الشعبية: “بعّد عن الشرّ وغنِّ لهُ”، فالتصرّف بفطنة واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتحضير مواجهة أقوى هو درس مهم لنا.
يرفض الربّ يسوع العنف ويدعو إلى المحبّة. عندما قال “لَنْ يُمَاحِكَ ولَنْ يَصيح، …قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لَنْ يَكْسِر”، أظهر لنا نموذجًا للسلام والعذوبة، حيث لم يواجه العنف بالعنف بل استبدله بمنطق المحبة، مشيرًا إلى أهمية المحبة والغفران ممّا يذكّرنا بموعظته على الجبل.
تعاليم الربّ يسوع تتحدّى مفاهيمنا اليومية، إذ نميل بطبيعتنا البشرية إلى الردّ بالمثل والانتقام، لكن الربّ يطلب منا أن نحب أعداءنا وأن نتسامح مع من يسيء إلينا، مما يعكس القوّة الحقيقية التي تأتي من الحب والغفران.
في ضوء تعاليم الربّ، نحن مدعوون دائمًا للتأمل في علاقتنا الروحية مع الله، والتساؤل عن مدى استعدادنا الروحي.
يسوع كان ينسحب للصلاة والتأمل ليعلّمنا أهمية التحصن الروحي قبل مواجهة الشر والتجربة، فالحكمة الروحية هي ما يقودنا إلى الانتصار على التجارب والمحن.
في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم، نجد الكثير من المسيحيين بعيدين عن فكر يسوع المسيح، الّذي لم يؤسس مملكة قائمة على العنف بل جاء ليؤسس مملكة سلام، عرشها قلب كلّ إنسان يسعى إلى المحبّة والتواصل مع الله.
إنّ ميلنا إلى العنف والانتقام، يعكس جهلنا بتعاليم يسوع الحقيقية، حيث إن الحرب لا تقود إلى سلام حقيقيّ بل تغذي الحقد والكراهية.
وهنا نصل إلى بيت القصيد!
الكنيسة ليست مجرد مبنى أو مؤسسة، بل هي جماعة المؤمنين الذين يعيشون تعاليم المسيح في حياتهم اليومية.
لذا، نحن مدعوون لنكون شهودًا حقيقيين للمسيح في كل مكان، فلا يكفي التنظير أو الكلام عن المسيحية بل يجب أن نعيشها فعلاً، وأن نكون شهودًا يضيئون العالم بمحبّتهم وسلامهم، تمامًا كما فعل المسيح.
في الختام، تعاليم يسوع المسيح ليست مجرّد نصوص بل هي دعوة حقيقية لحياة مليئة بالحب والسلام عبر تطبيق هذه التعاليم في حياتنا اليومية، لمواجهة الشر بالحكمة، ولتحقيق السلام بالمحبة. عالمنا اليوم بحاجة إلى هذه الرسالة أكثر من أي وقت مضى، فلنكن حاملين لهذه الرسالة، ولنكن نورًا يضيء في الظلام، على مثال الربّ يسوع!
Share via:
